شيزوفرنيا // بقلم أيمن أحمد خلف

 شيزوفرنيا !!!

قررت ذات يوما أن أصبح سمكة ، فألقيت بنفسي الى النهر .

وما أن ألقيت بنفسي وجدتني مندهشا متعجبا !

لأنني لم أغرق ، فأنا قادر على العيش كالأسماك أستخلص الأوكسجين من الماء كما تفعل الأسماك .

ولكن حاولت الإمساك أو لمس أي شيئ من حولي لكنني لا أستطيع !

نظرت لفقاعة من الماء تمر أمامي وكأنها بلورة تعكس الصور كما لو أنها مرآة ، فنظرت إليها بتعجب وأنا أنظر لنفسي من خلالها وقولت متعجبا ! 

أين أقدامي ، أين يداي ، نظرت الى نفسى مستغربا !

فمنذ دقائق كنت إنسان وسقطت سهوا أو بمحض إرادتي الي النهر .

يا إلهي ما هذه النتوءات والذوائد التى ظهرت على جسدي ، فأنا أشبهه هذا السرب من الأسماك ويبدوا عليهم أنهم من نفس فصيلتي التى لم أعلم عنها شيئ ، بدأت أدقق في تفاصيل شكلي الجديد واتسائل ؟!

أين ثيابي التى كنت أرتديها من قبل ، فكنت أنيقا ولي رائحة مميزه أعرف بها حتي قبل دخولي لأي مكان .

وكنت آرى وأسمع إستحسان من حولي وربما أبات محل إعجابهم من الهيئة أو ربما الهيبة هكذا كانوا يوصفونني .

ولكن أنا الأن سمكة ، أنا لا أشعر بالإحراج عندما أسبح بدون ثياب وسط سرب من الأسماك ونحن عراه ، لكن ما العجب في ذلك ، فأنا سمكة .

فتقربت متوددا من إحداهما لكي أنال صداقة منها عسى أن أفهم شيئا عن عالمي الجديد .

ولكن سرعان ما غربت عني وإنصرفت وتركتني وكأنها خائفة مني ، لربما عرفت حقيقتي وذهبت وتركتني في حيره من أمري .

فكنت منذ دقائق إنسان ، ولنا قوانين وعادات وقواعد مجتمعية تحكمنا نحن بني البشر .

ولكن سرعان ما صحوت من غفوتي وتذكرت أنني الأن سمكة .

ولكن صدمتي بنفسي حينما وجدت نفسي بهذه الهيئة ومازلت محتفظ بعقلي الادمي ، بموروثي الثقافي .

انتفضت في نفسي انتفاضة الإنسان لكن بطريقة الأسماك ، وقولت في نفسي أنا رافض العيش بهذه الطريقة ، كيف لي أن أندمج وأعيش في هذا الوسط ، كيف لمثلي أن يعيش في هذه البيئة وأنا دخيل عليهم ، كيف لي أن أقنعهم بموروثي الثقافي وعلمي ، ولكن كيف وأنا الأن لم أعرف من أكون ومن يكونوا ؟!

انا الى الأن لا أعرف الفرق بين إذا ما كانت السمكة مؤنث أو مذكر ، فطيلة حياتي ما علمت الا أنها سمكة فحسب .

حتى أنا لم أكتشف نوعي الى الأن ولكن من المؤكد أنني مذكر ، فانا قادم من عالمي الى عالمكم دون تغيير بموروثي الثقافي ، وعفويا تخرج مني كلمات عن نفسي بصيغة المذكر .

وفي خضم الأحداث وجدت سمكة تبدوا عليها تقدم العمر وبمحادثتها توقعت أنها أنثى ، فهي بطيبة أمي أو جدتي .

ولكن قبل أن تتكلم طلبت مني شيئا غريب آلا وهو أن كل موضوع لا يتجاز الخمس ثواني ، قلت هذا صعب هذا مستحيل ، قاطعتني وقالت بحزم سأقول لك لماذا ، فحن معشر الأسماك أعمارنا قصيرة جدا لذلك لدينا عقول على قدر أعمارنا ، لذلك نحن لا نجادل ولا نعاتب ولا نناقش فنحن ننسى سريعا وأكثر ضحايانا أنه يلقي بنفسه في أحضان شباك الصياد بالرغم من رؤيتها لها من قبل ، ولكن الامر أعمق من ذلك بكثير ، فالنسيان يعيدهم الى نقطة الصفر .

فقلت لها منزعجا أريد أن أعيش حياتي السابقة ، أريد أعين في منتصف رأسي أريد تبديل زعانفي ونتوآتي الى أقدام وأيدي ، أريد ملابسي لتستر جسدي .

قالت لا عليك حينما تضطرك الظروف للعيش بمكان ما لابد وأن تتعايش معه وفي بيئته التى حتما ستكون مختلفة عن بيئتك ، وأن كانت هذه البيئة يشوبها العيب ، فلا تفرح كثيرا لأنك ستكون أنت الخارج الوحيد عن قواعدهم وأساليب حياتهم ومعتقادتهم ، ستكون أنت الغير متعلم رغم علمك ، ستكون أنت العاري رغم ثيابك ، ستكون أنت الهمجي رغم ثباتك .

فإما أن تقبل أن تعيش سمكة بيننا بكل ظروف حياتنا أو ترحل عنا وتتركنا وشئننا .

تعجبت من كلامها وقلت لكن أنتي سمكة وأنثى من المفترض أن ذاكرتك ضعيفة ، فكيف تتحدثين بكل ذلك وكأنك من بني البشر .

قالت دقق النظر لتجد الاجابة ، فأنا وأنت وجهان لعملة واحدة  ، لكن أنت دائما كنت تصفني بعدم المنفعة ولا تبالي بي من شيئ لذا قررت الإنتحار وآلقيت بنفسي الى النهر ، وما فعلت ذلك وجدت نفسي سعيده برغم أنني مختلفة عنهم في التفكير ، ولكن سعادتي أنني أتذكر مكان شبكة الصياد دوما وأبتعد عنها .

قلت لها آراكِ تتحدثين مثلي ولكن لا يهم انا فقط أريد الخروج من هنا ، أريد الخروج من الظلام الى النور .

قالت لا تسطيع الخروج بدوني فأنا نفسك التى دوما تلومها ، أنا وجدانك الذي دائما كنت تهمله ، تبحث عني الآن بعد فوات الأوان ، إما ان تقبل أن تعيش هكذا أو أذهب وألقي بنفسك في أحضان شباك أول صياد لك .

قلت لا أستطيع الخروج بدونك ، فأنا لا استطيع العيش بدون نفسي وأنتي نفسي .

وقتها حدثت نفسي وقد قررت الإنتحار بإلقاء نفسي في أول شبكة للصياد .

حدثت نفسي بلوم ليتني أتفقت مع نفسي بدلا من الفراق ، ويفرض علينا العيش في ظروف غير ظروفنا وبيئة غير بيئتنا .

وما أن وصلت لشبكة الصياد وجدت السمكة التي كنت أحاورها وقد سبقتني الى هناك !

نظرت إليها بتعجب !

فقالت إن كنت تستطيع العيش بدوني فأنا لا أستطيع .

فأنا ماضيك وحاضرك لابد من وجودي معك لنرسم المستقبل سويا ، وأن كان ليس لنا وجود فيه ، ولكن ليتعلم منا من سيأتي بعدنا ، حينما نصبح ماضي في طي النسيان .

.............................................................................

الاسم / أيمن أحمد خلف 

الصفة / مدرب دولي تنمية بشرية

LIFE COACH

البلد / مصر




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هرمنا يا رفيقي // بقلم علي السعيدي

لـــو // بقلم الشاعر عادل عثمان الحجار

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع