نموذج للطبيب الناجح ) [12]  د/ياسر الجندي (1) // د . علوي القاضي

 «®» خواطر طبية «®»

( نموذج للطبيب الناجح ) [12]

 د/ياسر الجندي (1)

من مذكراتي : د / علوي القاضي.

... فى المقال التاسع تكلمت عن خصائص (الطبيب الناجح) ، من حيث ، الإيمان بإنسانية المهنة ، والسعي الجاد للنجاح ، والتحلي بالأخلاق الحسنة ، والتمسك بتقوى الله ، والضمير الحي

... ومن هذا المنطلق إخترت هذا النموذج لـ (الطبيب الناجح) ، الدكتور / ياسر الجندي (رحمه الله) إستشاري النساء والتوليد ، لم يكن عاديا ، هدفه تخفيف ٱلام المرضى ، والتفانى في العمل ، كان لايذهب إلي بيته إلا قليلا لينام ، أثار إنتباه كل زملاءه بقدرته على التحكم في نفسه ، وفي فترة (الإمتياز) ، أساتذته ذكروا أنه  غير عادي ، ليس له مثيل في الإخلاص والجدية والمثابرة 

... كان قويا كالأسد ، حزين كغيمة شتائية ، جميل كـ (يوسف) ، في (طفولته) يفيض بالحيوية ، إبتسامته ساحرة ، في (صباه) عنوان لجوهره الثمين ، في (شبابه) يأخذ الأمور بجدية ، ويستميت في دراسة الطب ، ويحرص على العدالة والصدق ، ويرفض التمييز ، (تخرج) فى الطب بتفوق ، ظهر معدنه الأصيل في نفسه وروحه 

... كان يشعر بمعاناة المرضي ، من الفقر المدقع ، والمرض المذل ، والضعف الباكي ، والإهمال والقسوة ، وإهدار قيمة الإنسان ، كما يحدث في المستشفيات العامة مع المرضى الفقراء ، فكان يذوب رقة وإشفاقا عليهم ، وهنا وجد رسالته وطريقه ، كرس حياته لهذا العمل النبيل ، تسلم عمله كـ (طبيب مقيم) ، في قسم النساء والتوليد ، وتحمل مسئولياته عن مريضاته ، تفانى في عمله ، حتى أنه كان لا ينام في النوتبجية لمدة يومين أو ثلاثة ، لشعوره بالمسئولية وعدم التقصير ، كان يتبرع بدمه لو نزفت مريضة ، حتى تبرع بالدم (خمسة عشر) مرة في (عام واحد) ، وهو يعلم أنه يؤذي نفسه ، ولكنه لايتحمل أن يرى مريضة تنزف وتوشك على الموت ، ففي ليلة واحدة تبرع بدمه مرتين ، حتى إنهار ، وكان يبذل ماله بسخاء ، بذل كل ميراثه وراتبه في شراء أدوية للفقراء ، وحرم نفسه من الطعام الجيد والرفاهية ، لأكثر من عشرين عاما لم يذهب لمصيف أو رحلات تنزه ، لأن مشاهد الفقر والمرض والضعف كانت تعذبه ، ويستحي من نفسه لو قصر ، لدرجة أن العنبر الذي يشرف عليه تحول إلى جنة من ماله الشخصي ، فابتاع له كل أدوات الترفيه   

... قضى حياته كلها مع مريضاته والمراجع الطبية ، فتبحر وتعمق في تخصصه ، بهدف تقديم خدمة أفضل ، مؤمنا أنه كـ (القاضي) ، يأخذ أجره من الله ، وإلا فقد نزاهته ، لم يفتتح عيادة خاصة ، ولم يأخذ جنيها من مريضة ، بل كان يبذل (صحته وحياته وماله) بلا حدود ، كان يعتبر أي مريضة  قضيته ، ينشغل بها ، حتى يتم الله شفاءها   

... كان مشغولا بعمله بإستمرار ، فلم يتحدث عن نفسه ، أو السياسة أو كرة القدم كزملاءه ، لم يضيع لحظة في غير العلم أوالعمل ، لأنه حدد هدفه ، وسلك كل الطرق إليه ، لم يكن يملك سيارة ، فالميكروباص يكفيه مع العامة ، وعزف عن الزواج والإنجاب ، وكان يتق الله ، وكان تدينه ينصب في خدمة الآخرين وبإتقان 

... ولأننا بشر حيث (الغيرة والحقد والحسد) ، فإن هذا الرجل النبيل ، قد حورب وأوذي ! ، فقد كان متجردا ، وليس له مطامع ، ويرفض النميمة والشللية ، ولا تهمه الترقية الوظيفية ، إنسان لاتنفك أساريره الجادة العابسة ، إلا مع مريضاته الفقيرات البائسات ، فكان يقضي معهن أوقات فراغه (متربعا) ، بجوارهن ومستمعا إلى مشاكلهن البسيطة ، ويبكي ويتألم إذا بكت إحداهن ، ببساطة كان إنسانا ، وأمام حقد وغيرة وحسد البشر ، كان يقف صامتا مقهورا ، لا يعرف كيف يرد على من يؤذيه ، وينتقص من قدره ، ويتهمه بالخبل والمبالغة ، ثم ينصرف في أدب 

... هذه الصراعات أدت به إلى الإكتئاب ، والإجهاد البدني والنفسي والذهني والروحي ، بعد ركض مايزيد عن عشرين عاما ، وكان يرد بالصمت 

... تعرض هذا الرجل لإبتلاءات في نفسه وفي غيره ، مرة إكتشف وهو في الطريق ضياع ملف مريضة ، ولما عاد ، صدمته سيارة  وقضي شهورا  في عجز وألم ، ومرات يتحرش به بعض (البلطجية) ، ومرة  يصادف إنتحار فتاة أمامه فيحزن ويكتئب ، ومرات يتعرض للإضطهاد من بعض أساتذته ، عاش دون زواج أو أبناء أو ترفيه ، حتى ضاعت نضارة شبابه ، وبدت عليه ملامح الكهولة المبكرة ، والعذاب والإكتئاب والمرض الجسدي على وجهه ، فالتزم الصمت واعتزل ، فلم يعد يهتم ، سوى حبه للأطفال وتكريس أوقاته لهم

... وإلى لقاء في الجزء الثاني إن شاء الله

... تحياتي ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نجواى أنت // بقلم الشاعر رحب كومى

رثاء شاعر الوطن // بقلم أ. سامية البابا

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع