حنين وذكريات «(3)» // بقلم د/علوي القاضي.
«(3)» حنين وذكريات «(3)»
خواطر : د/علوي القاضي.
... تكلمنا في الجزء ( الأول ) عن الحنين والذكريات وكيف أنها تريح النفس بتذكر من عاصرونا في الماضي الجميل بمواقفهم ومحبتهم وإخلاصهم ورعايتهم لنا وفي الجزء الثاني تكلمنا عن رأي الفلاسفة والكتاب والأدباء وأصحاب الفكر المستنير عن ٱراءهم في الحنين والذكريات ، وطرحنا هذا السؤال ( ... أحبابي ، حين يأخذنا الحنين للذكريات لاأعلم هل أبتسم لأن الذكريات جميلة ، أم أبكي لأن الماضي لن يعود ؟! ) على وعد تقديم الإجابة الٱن :
... من ذكريات الزمن الجميل ، كان هناك شيء إسمه الحب والحنان ، والنخوة والإحترام ، والكبير كان له هيبة ومقام ، ولايوجد شبعان وأخوه جوعان ، ولاواحد زعلان وأخوه شمتان ، ولاتعصب في الأديان ، ويسود السلام والأمان ، بس الكلام ده كان زمان ، لما كان الإنسان إنسان
... بين أحداث الماضي الجميل ثم الذكريات ثم الحنين ثم الرحيل ، أحداث كثيرة مزدحمة بتلخص حياتنا بٱمالنا وأحلامنا ، ومواقف كثيرة ومتباينة ، وأنماط أشخاص ، وأماكن ، تتسابق وتتوالى على الذاكرة ، تعتصر الفؤآد وتُشعِرَك بإنكسار موج القلب ، وبإنطفاء الروح داخل الجسد حتى يتخندق الأرق بالمحاجر ، لأن الرحيل ، شبح يُجثم على النفس ، ويجعلها تمشي على جمر الويلات ، كالطيور الكسيحه ، التي تكابد الأحزان في عتمة أحزانها وربما أوهامها ، وهنا يصف الأستاذ والشاعر ( جمال حسن سعيد ) الحنين بقوله ، ( كلنا نعيش الإشتياق للماضي والحنين للذكريات ، ذكريات الطفولة الرائعة والبسيطة ، ذكريات مع أعز الناس الذين فارقونا ، تتمزق مشاعرنا وأحاسيسنا ويعتصر قلبنا ألما ونحن نمضي ، ونلتفت وراءنا ودموعنا منهمرة ، وكأننا بذلك نودع الماضي ونتحسر عليه ، في الماضي الجميل كانت المحبة والنية الصافية الصادقة والأخوة تملأ حياتنا البسيطة ، وكنا مقتنعين ، نقتسم اللقمة الصغيرة واللباس بين الإخوة ونحن فرحين ( أما اليوم ، فلا ،،، )
... لهذا أحاول أن أجعل من الزمن الجميل كتاب يمكنك قراءته في بوست وتحسه أكتر بخيالك ، الزمن الجميل لايقتصر على صورة مكان الزمن الجميل فقط ، بل إحساسك به ، والحنين إليه تجده في بعض السطور المكتوبة ، هناك عبارة تمر بنا كثيراً وهي تتردّد على ألسنة الناّس ، سواء كانت قولا أوكتابةً وهي ( آه على الزمن الجميل ) ، وتكاد تسمعها من معظم الأجيال ، فهناك من يحنّ لأيّام ( ما قبل ) السّيارات والتّلفزيون والكهرباء والبيوت المسلّحة وغيرها من وسائل الحضارة والرّاحة ، وتجده يردّد ، لقد كان الزمن أجمل ، حيث الطّيبة والصّدق والحميميّة والمحبّة ، وهناك من يحنّ لبدايات الكهرباء والتّلفزيون والسّيارات ، وكيف كان التّعامل معها يجلب الكثير من السّعادة ، ممّا جعل ذلك الزّمن أجمل في نظره ، وهناك من يحنّ للمسلسلات والمباريات والأغاني القديمة ، وإذا ماشاهد شيئاً منها ردّد بحسرة ( آه على الزّمن الجميل ) ، وهنا عدّة أسئلة ، ( أين يوجد هذا الزمن الجميل ؟! ) ( ولماذا لاتتّفق الأجيال على زمن جميل واحد ؟! ) ( وماالّذي يجعل زمناً بعينه دون غيره جميلاً ؟! ) ، في إعتقادي الشّخصي أن جمال الزّمن يأتي من عدّة جوانب ، ( أوّلها ) ، جمال المرحلة السّنيّة الّتي يعيشها الشّخص ، وهي غالبا ماتكون مرحلة الشّباب ، فالملاحظ أن الأجيال تحن دائما للزّمن الّذي عاشته شابّة ، وفي مرحلة الشّباب عادة تتمتّع المشاعر والأحاسيس برهافة شديدة ، تجعلها ترتبط وجدانيّا بكل تفاصيل الحياة حولها ، فمن يحن لمرحلة ماقبل الكهرباء والطرق المعبّدة والبيوت المغلقة ( رغم صعوبة الحياة آنذاك ) تجده عاشها شابا فارتبطت بها مشاعره وجدانيّا ، متجاوزا المساوئ والصّعوبات ومركّزا على المحاسن ، فأصبحت في عقله الباطن هي الزّمن الأجمل ، ( الثّاني ) ، هو بدايات الأشياء فدائما الأشياء في بداياتها لها جمال الجدّة ودهشة الغرابة ورونق خاص ، ممّا يجعلها تترسّخ في الوجدان ، فمن يحنّ للبرامج والمباريات والأغاني والمسلسلات القديمة فإنّما يحن لها لأنّها كانت بداية معرفته بهذه الأشياء كلّها ، وحتّى وهي مليئة بالأخطاء والبساطة بل والسّذاجة أحيانا ، تظل في نظره هي الزّمن الأجمل
... فإياكم وأن يتسرب اليأس إلي نفوسكم مهما بلغت أعماركم ، يقولون ماعاد في العمر بقية ، وأنا أقول مازال هناك أيام تعاش ، ومازال هناك لحظات ننعم بها ، بكل الجمال الذي خلقه الله ، ومازال هناك طرود من الفرح تهدى إلينا ، وباقات من الحب تزهر بأيامنا ، وسحابات من السعادة تمطر علينا ، ما زال هناك وعد ولقاء ، حبٌ وإخاء ، صدق ووفاء ، صدق وإخلاص ، سنطوف بهم في أرجاء الحياة ، وننثر عطرهم على قمم القلوب ، فكلما نبضت نثرت أريجهم ، فتكتسح السعادة النفوس ، وتستوطن الإبتسامة الوجوه ، وتزدهر المودة بين البشر
... أحبابي أقبلوا على الحياة بأيادي مفتوحة ، وقلوب مستبشرة ، ولاتنظروا لما خلفته زوابع الهموم من غبار سيثور ويهدأ ، وسيبقى الصيف مشرقاً بشمسه ، ولن تلغيه حفنة غبار ، مازال في العمر بقية ، وما زلنا أحياءً نرزق ، ومازالت أرواحنا تتوق للحياة ، ومازالت قلوبنا متأهبة للوثوب إلى محطات الفرح ، مابقي من العمر هو الأجمل والأحلى ، والذي مضى ذهب واختفى في أروقة الزمان ، ولن يعود إلا خيالاً نقابله في محطة الذكريات
... ولأن الماضي لن يعود ، وهناك أيام صعبة وأيام سهلة ، وأشياء مؤلمة وأشياء سعيدة ، وهناك أوقات حزينة وأوقات جميلة ! ، وسنوات وأشخاص لاتنسى ، وذكريات لايمكن أن تتكرر مهما كان شكلها ! فمع ذلك كله ، جعلوني أكبر ، وأعرف معنى الحياة ، وأفهم الدنيا ، وأعرف كيف أعيش هذه الحياة ، وكلما زارني الحنين كنت أرتشف معه جرعة من الماضي ، إلى أن نثمل سوياً لوعاً وألماً ! ، ماجعلني أخشى سكون الليل ! ، ففي سكون الليل وحشة حقيقية ، لمن كان أسير ذكريات غير قابلة للنسيان !
... أحبابي ، من أروع مكاسب عمري ، حينما تقف ذاكرتي بمحطات أهل وأخوة وأصدقاء أعزاء على قلبي مثلكم ، أكتشف يوما بعد يوم أنكم كنوز ، لذلك أبقيتكم في رصيد حياتي ، فاستأنست بكم ، فالرصيد ليس فقط مال أودعه لوقت الحاجة ، وإنما قلوب طاهرة مثلكم ، تدعون لي في ظهر الغيب وفي حالي و ترحالي
... الذكريات لها تأثير قوي ومعقد على مسار حياتنا ، فهي لاتؤثر فقط على كيفية رؤيتنا للعالم ولأنفسنا ، ولكنها أيضًا تشكل قراراتنا وسلوكياتنا ، وإليكم بعض الجوانب الرئيسية لتأثير الذكريات على مسار حياتنا :
( تشكيل الهوية ) الذكريات تساهم بشكل كبير في تشكيل هويتنا وفهمنا لأنفسنا ، الأحداث التي نتذكرها (وكيف نتذكرها) تساعد في بناء قصة حياتنا ، مما يؤثر على شعورنا بالهوية والإنتماء ، ( التأثير على القرارات ) غالبًا مانعتمد على الذكريات لإتخاذ قرارات في الحياة اليومية واللحظات المهمة ، فالخبرات السابقة تؤثر على توقعاتنا وتقييماتنا للمخاطر والفرص ، مما يشكل طريقة وكيفية تعاملنا مع المواقف الجديدة ، ( التأثير العاطفي ) الذكريات السعيدة يمكن أن تجلب البهجة والراحة ، بينما الذكريات السلبية أو المؤلمة ، يمكن أن تؤدي إلى الحزن أوالخوف ، أوالقلق ، فالطريقة التي نعالج بها ، ونستجيب لذكرياتنا يمكن أن تؤثر بشكل كبير على صحتنا العاطفية والنفسية ، ( التعلم والتطور ) الذكريات تلعب دورًا مهمًا في التعلم والتطور الشخصي ، من خلال تذكر النتائج السابقة والدروس المستفادة ، وتجعلنا قادرون على التكيف وتعديل سلوكياتنا في المواقف المستقبلية ، ( التأثير على العلاقات ) الذكريات المشتركة تشكل الأساس للعديد من العلاقات الشخصية ، كيفية تفسير وتقاسم هذه الذكريات يمكن أن يعزز الروابط العاطفية أويؤدي إلى سوء التفاهم والنزاعات ، ( التأثير على الصحة النفسية ) الذكريات المؤلمة ، خاصة تلك المتعلقة بالصدمات ، يمكن أن تكون لها تأثيرات طويلة الأمد على الصحة النفسية ، العمل على فهم ومعالجة هذه الذكريات يمكن أن يكون جزءًا مهمًا من الشفاء والنمو الشخصي
... وبينما أنا سارح في حنيني وذكريات الماضي الجميل ، حتى نسيت خلوتي ومكاني وزماني ، وإذا بي أستفيق على روعة أم كلثوم قصة الأمس ، وكأنها توجه لى رسالة من عالم ذكرياتي مفادها ( أنا لن أعود إليك ، وأنس ناقوسي فلن يدق في عالم نسيانك )
.( يا لذكراك التي عاشت بها روحي على الوهم سنينا
ذهبت من خاطري إلا صدى يعتادني حينا فحينا
قصة الأمس أناجيها وأحلام غدي وأماني حسان رقصت في معبدي
وجراح مشعلات نارها في مرقدي وسحابات خيال هائم كالأبد
أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي
... تحياتى ...
تعليقات
إرسال تعليق