حتى أنت يابروتس«{1}» // بقلم د/علوي القاضي..
«{1}»حتى أنت يابروتس«{1}»
بقلمي : د/علوي القاضي..
... يعتبر المؤرخون أن إغتيال ( يوليوس قيصر ) على يد صديقه وإبنه بالتبني ( بروتوس ) ، تعتبر أشهر مواقف الخيانة والغدر في التاريخ الحديث وسبقه قتل ( قابيل ) لأخيه ( هابيل ) في بداية البشرية
... فالخيانة والغدر كلمتان ثقيلتان على اللسان والوجدان ، أكره لفظهما وسماعهما ، فالخيانة والغدر تعبير عملي عن قلة الأصل ، وخسة الطبع ، ودناءة المروءة ، وإنحطاط الأخلاق ، ومروق من الدين ، ولانستطيع نسيانها أو فاعلها
... الخيانة والغدر موقف سلبي ، إذا حدث ، يولد صدمة ووجع وقهر وإنكار ، وشعور قاسي ، يختلف حسب مصدرها وقوتها ، وهنا يجب علينا تجاوزها ، بلانسيان لها أو لفاعلها ، ولهذا استحوزت مشاعرنا الموجعة على حيز كبير من القلب عند وقوع الخيانة والغدر ، لأنها ستكون ناراً توقد في القلب ، وحينها سنصاب بصدمة وإحباط من شخص إستأمناه ووثقنا به ، فقاوم الإحباط ، ولاتسأل لماذا خان وغدر ، وتيقن أن مافعله من طبع الخيانة والغدر فيه ، فإن خسرت شخص كنت تظنه صادقا ووفيا ، فقد كسبت كشف حقيقتة والنجاة منه
... يقول أحدهم يواسي نفسه ( لم أتعثر مطلقا بسبب أعدائي ، فأولئك الذين أحببتهم كانوا عثرتي ، إن مات قلبي يوما ، فاعلموا أن القاتل أعز الناس ، إنه زمن الخذلان والخيانة والغدر ، فالبعض يحاول أن يطعنك من الخلف ، وهو يعلم أن وجودك سند له ، فكن على حذر ، فالخيانة لاتأتى إلا من أعز الناس لديك )
... للأسف نحن في زمن الخيانة والغدر ، فهناك أناس ساعدتهم ، وهم أكثرهم غدرا وخيانه ، صدق جبران خليل جبران عندما قال ( الأشخاص ليسوا مخلصين لك ، هم فقط مخلصون لاحتياجهم لك ، بمجرد أن تتغير إحتياجاتهم يتغير إخلاصهم لك )
... فهناك من يخدعون ويخونون أقرب الناس لهم ، مقابل حلم أومنفعه واهمة ، فيخسرون أنفسهم ، فأحترام الذات أغنى من كنوز الدنيا
... الخذلان أو الغدر حينما يكون من المقربين لقلوبنا لانسامحهم ، لأنهم يعلمون أنهم الأقرب ، ومع ذلك غدروا بنا وخذلونا ، وبمنتهي القسوة ، فطعنة الأعداء مقبولة منهم ، إلاطعنة الأحباب قاسية ، فاحذر من عدوك مرة واحذر من صديقك ألف مرة ، ربما إنقلب الصديق إلى عدو فكان أعلم بالمضرة
... وللخيانة والغدر صور كثيرة ومختلفة أشهرها شيوعا ( الخيانة الزوجية ) سواء من الزوج أو الزوجة أو كلاهما ، فهي لون من ألوان الخيانة والغدر ، يقول الله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن آية المنافق ( وإذا ائتُمن خان ) ، ويقول عليه الصلاة والسلام ( كلُّكم راعٍ ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته ) ، الذي يخون زوجته مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص ، فلا أبوه يسامحه ، ولا اللصوص تكافئه
... والخيانة الزوجية تؤلم الجوارح وتقشعر لها الأبدان وترتجف منها القلوب ، ويهتز لها عرش الرحمن ، فالحياة الزوجية حياة مصونة ، ولها قدسيتها في ديننا الإسلامي الوسطي ، فقد جعلها أمانة في عنق كِلا الزوجين ، وأيُّ تهاونٍ أو تفريط في تلك الأمانة ، يعتبر خيانة لله ورسوله والدين والمجتمع
... أيها الرجال إتقوا الله في نسائكم فهم أمانة ، فكما تدينوا تدانوا ، ولاتتبعوا خطوات الشيطان ، إنه عدو لكم فاتخذوه عدوا ، فهو دائما يبرر لكم فعل الحرام
... ويعتقد البعض أن الخيانة الزوجية هي الخيانة الجسَدية فقط ، بل بمعناها الشامل تظهر في سلوكيات كثيرة منها ، إفشاء أسرار شريك الحياة وفضح فراشه ، والتصرُّف بماله دون علمه أو في مالايرضاه ، والخيانة العاطفية ، بكل معطياتها ( مُكالمة هاتفية ، أو مُراسَلة إلكترونية ، أومقابلة غير مشروعة ، بل مجرد التفكير في غير شريك الحياة يدخل في دائرة الخيانة الزوجية ) ، والخيانة الجسَديَّة تعتبر أشد وأعظم الخيانات الزوجية ، ولذلك كانت عقوبتها مغلظة في الإسلام ( الجلد لغير المحصن أو الرجم للمحصن )
... إذا وقعت الخيانة والغدر بين الزوجين ، واستمرت العلاقة أصبحت على شفا حفرة وعرضة للإنهيار
... الخائن مريض نفسيا وسلوكه مرضي ، وله دوافع غير مبرِّرة ومنها ، ضعف الوازع الديني ، وإضطراب شخصية الخائن نفسيًّا ، وتربيته الغير سليمة وغالب في أسرة مفككة ، والزواج بالإكراهٍ ، أوكعقاب من الزوجة لخيانة زوجها ، ووجود فجوة نفسية بين الزوجين ، وغياب أحدهما عن الآخر فترة أكثر من أربعة أشهر ، وكلنا يعلم قصة سيدنا عمر ، الذي سن قانون الحد الأقصى (٤ أشهر) لغياب الجندي عن أهله ، وعدم إهتمام أحد الزوجين بالٱخر ، والعنف الأسري ، وعدم إشباع حاجات الطرف الآخر النفسية والمادية ، وفارق السن الملحوظ
... ومن أشهر قصص الخيانة في الأعمال الدرامية ، خيانة الزوج مع السكرتيره أو مع الخادمة ، فلماذا يحدث ذلك عادة ؟! ، علماء النفس والإجتماع كان لهم تفسير علمي ، أن عنصر الجذب الرئيسي للزوج تجاه الخادمة أو السكرتيرة هو السيطرة والطاعة العمياء ، فهي إمرأة لاتقول له لا ! ، وتنفذ أوامره بلانقاش ولاجدال ، فهي نموذج للمرأة الخاضعة ، لاترفع عينها فى عينه ، ( خصوصاً لوكانت الزوجة صدامية وغير سلسة في المعاملة وتجيب السؤال بسؤال ، وتحيط نفسها بهالة صعب إختراقها ) ، فبالتأكيد إمرأة بهذا الخضوع تستفز الرجل لإقامة علاقة معها كعامل تعويضي نفسي لمعاملة زوجته له ، وضعف الخادمة أو السكرتيرة وقلة حيلتها أمام الزوج تجعله يفكر ولو في علاقة عابرة ، وكذلك شعور الزوج لاإرداياً أنها لن ترفضه يقوي رغبته ( بمبدأ هى تطول أصلاً ) ، وحتى لورفضت لن تتجرأ وتفضحه أو تخبر الزوجة ، فهى الجانب الأضعف دائماً فى القصة ، وغالباً ستنتهى القصة بطرد الخادمة أو السكرتيرة ، ونؤكِّد أن هذه الأسباب لاتبرِّر الخيانة الزوجية أبدًا
... درج في مجتمعاتنا الشرقية أن خيانة الزوج قد تُغتفَر من قبل الزوجة حرصا على استمرار واستقرار الأسرة ، رغم الألم والجرح ومر الكاس ، وفي المقابل خيانة الزوجة لايمكن أن تُغتفر ، لِما للزوجة من مكانة عظيمة في الأسرة والمجتمع ، واستحالة تربية أبناءها على الفضيلة وهي خائنة وسلوكها غير سوي ! ، كما أن بخيانة الزوجة يقع الشك في نسب أولادها ، لذلك فالخيانة الزوجية بوجهها البسيط يمكن علاجه ومسامحته ، ويُمكن أن تستمر الحياة ، أما الخيانة العاطفيَّة بوجهها البشع ، فغالبا حتى لواستمرت ستَنتهي بالطلاق ، أما الخيانة الجسدية برائحتها النتنة الفجة إذا وقعت ، فقد وقَع هلاك ودمار الأسرة ، ويكون الطلاق هو حلَّها النهائي
... فالزوج نادرا مايغفر خيانةَ زوجته الجسدية ، ولايُمكن لرجل سويٍّ نفسيًّا وعقليا أن يتجاوز عن تلك الخيانة إلا إذا كان ديوثا ، أما الزوج الحر يبدأ بشكوكِه حول نسب الأولاد ، ويكونوا هم الضحية ، ونهايتها إما سلمية بالطلاق والإنفصال ، أو بارتكاب جريمة بحسب ردَّة فعل الزوج ، وشخصيته ، وقوة تحكمه في أعصابه
... والجدير بالذكر إرتفاع نسبة الخيانة الزوجية ، وذلك بسبب توافر وسائل تؤدي لإرتكابها ، فالثورة الإلكترونية ، وإنفتاح المُجتمَعات على بعضها البعض ، والإعلام الفاسد ، والإختلاط بين الجنسين بلا ضوابط يهيئ المناخ
... وهناك بعض الحلول لمنع جريمة الخيانة الزوجية ، الرجوع إلى الله تعالى وتحقيق التقوى ب ( الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والإستعداد ليوم الرحيل ) ، والتمسُّك بقِيَم الدين الإسلامي الوسطي ، ومُراعاة الله في السر والعلن ، وتهذيب النفس الأمَّارة بالسوء والدعاء ، وتربية الأبناء تربية صالحةً على قيَم ومبادئ تَحميهم في المستقبل ، وتبادل الحقوق والواجبات بين الزوجين ، وتأدية كلٍّ منهما لواجباته ، وتفعيل لغة الحوار والمصارَحة بين الزوجين ، والبوح باحتياجاتهما ، وزرع الحب والمودة فيما بينهما ، وإشباع كل منهما للآخر عاطفيًّا وجسديًّا ، وعدم إكراه الأهل لأبنائهم على الزواج ممَّن لايَرغبون فيه ، واللجوء إلى الطبيب النفسي لعلاج الإضطرابات النفسية ، أو اللجوء لإستشاري الأُسرة لحلِّ المُشكلات الزوجية
... في حال العجز عن تلك الحلول ، فالحلُّ سيكون ( أبغض الحلال عند الله الطلاق ) وعدم الإستمرار في هذه الحياة الزوجية الغير سوية ، واستبدالها بحياة زوجية أخرى سليمة
... أيها الرجال ( اتَّقوا اللهَ في النساءِ ، فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله ، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله ، وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحًدا تكرهونَه ) ، قال الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )
... وإلى لقاء في الجزء الثاني إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتى ...
تعليقات
إرسال تعليق