أحسن القصص // بقلم : ناجح صالح

 أحسن القصص

---------------

   أولا : مع قصة النبي يوسف 

    -------------------------

( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون )

ما أجملها من لغة .. لغة رب العالمين ، وهذا هو فن القصة ليتعلم منه من له موهبة القصة ، كل كلمة في موضعها بأسلوب يجذب المتلقي جذبا اليه ، امرأة العزيز وهي تهيم حبا بيوسف تريد منه أن يقع معها في الخطيئة ولكنه نبي الله يعصمه الله منها .

( قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن وليكونا من الصاغرين )

ما تزال امرأة العزيز تكابد الهوى فتدعو إلى قصرها النسوة اللاتي قلن فيها ان فتاها قد شغفها حبا ، وتعد لهن متكئا وما ان يبدأن الطعام حتى تأمر يوسف بالخروج اليهن فلما رأينه جرحن أيديهن بالسكاكين دون أن يشعرن وهن يقلن ان هذا ليس بشرا بل ملاك كريم .

( فذلكن الذي لمتنني فيه ) هي تريد أن تعطي تبريرا لعشقها له وكأنما تقول لا يلمني أحد ان كنت مبهورة بحب يوسف فهو الجمال كله .

( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) وها هي تعترف دون أن تكتم حقيقة ما حدث بعد ان راودته عن نفسه فأبى أن يقع في كيد الشيطان .

( ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن ويكونا من الصاغرين )

أي تهديد ليوسف تهدد به هذه المرأة بعد أن نفد صبرها ! أما أن يرتكب معها الفاحشة أو السجن ليكون ذليلا .. غير أن يوسف يدعو ربه قائلا ( السجن أحب الي مما يدعونني اليه ) انه النقاء في أعلى مراحله ،ويستجيب له ربه ليلبث في السجن بضع سنين .. الذئب برئ من دمه وهو برئ من كل ذنب في سجنه .

والواقع أن سورة يوسف هي نص قصصي من بدايتها إلى نهايتها بل هي سرد محكم رائع من لدن حكيم خبير ، ومن الجدير بالذكر أن قصة يوسف هذه لا تتكرر في سور القرآن الأخرى كما هو الحال لقصص بقية الأنبياء. ولو عدنا الى ما ابتدت به سورة يوسف لوجدنا أن يوسف يروي حلمه لأبيه ( إذ قال يوسف لأبيه يا أبتي اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) وهو حلم صادق بل نبوءة اذ يسجد ليوسف في آخر المطاف أبوه وامه واخوته بعد أن تبوأ المكانة الرفيعة في الدولة علاوة على أنه نبي .

إن كل آية من آيات سورة يوسف لها دلالتها في توضيح هذه القصة المشبعة بالدرس والعبرة وبإسلوب يهز النفوس وتخشع له القلوب .

(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )

         ثانيا : قصة مريم 

          -----------------

سياق الآيات في سورة مريم سياق عجيب يروي فيه رب العزة قصة مريم باسهاب وتفصيل تطرب له أذن السامع ويرتعش قلبه ( واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ، قالت اني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا ) .

صبية طاهرة عفيفة خافت من هذه الروح التي أرسلها الله بعد أن تمثل لها بشرا فعاذت بالرحمن منه ..هي حقا خائفة اذ كيف يقتحم أحد عزلتها بعد ان اتخذت حجابا من دون أهلها لتمارس عبادتها بعيدة عن الأنظار .

( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ، فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا .)

أي موقف تتعرض له مريم العذراء وها هي يأتيها المخاض فتتمنى لو أنها ماتت قبل هذا ..كيف سيأتيها المولود وهي بعد بكر لم تتزوج وما الذي ستقوله لقومها .. لكن هكذا ارادة الله ان اراد شيئا قال له كن فيكون ..  وهكذا ايضا اراد الله ان يولد عيسى بغير أب وتلك هي المعجزة .

( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) هذا هو الاتهام الصعب الذي تواجهه مريم ازاء قومها غير أنها اشارت الى المولود وهو بعد رضيع ليدفع عنها التهمة الباطلة ويعلن للشهود انه هو عيسى رسول الله .

وتتكرر القصة في سور أخرى من القرآن الكريم لتتضح الصورة على حقيقتها .. هي ذي مريم سيدة نساء العالمين ، أكرمها الله ليجعلها هي وابنها آية من آياته ..( واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا مريم أقنتي لربك وأسجدي وأركعي مع الراكعين ) أي تكريم وأية بشارة لمريم بل وأية تزكية من رب العالمين لها  ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين )

هكذا هي مريم .. هي من أثنى عليها الله الثناء الحسن لتكون رمزا من رموز العفة والطهارة .

وتبقى قصة مريم تتردد على لسان كل مؤمن وهو يتلو آيات الله بجمال أسلوبها وحبكتها وروعتها .. ومن أحسن ومن أصدق من الله قيلا .                             ثالثا : قصة النبي موسى

    ------------------------

لم يتردد ذكر نبي في القرآن أكثر مما تردد ذكر النبي موسى ، وما من عجب في ذلك فقصته قصة وحكايته حكاية ، وهو كليم الله وهو من وقف بوجه الطاغية فرعون الوقفة الشجاعة لتكون نهايته نهاية مخزية بشعة .

وسيرة موسى تتحدث عنه سورة القصص بتفصيل طويل رائع منذ ولدته أمه وحتى نهاية الرحلة ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ان كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ) هكذا هو حال أم موسى بعد أن وضعت رضيعها في اليم بايحاء من الله ليلتقطه آل فرعون وليكون لهم عدوا وحزنا .

( ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )

هو في رعاية الله وحفظه على أنه حينما يدخل المدينة على حين غفلة من أهلها ويجد رجلين يقتتلان يستغيث به الذي من شيعته فيبادر موسى الى نجدته ليبطش بالذي هو من عدوه ليقضي عليه قائلا بعدها انه من عمل الشيطان غير ان الذي استنصره بالأمس يستصرخه من جديد فيقول له موسى انك لغوي مبين .

( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين ) 

هو ذا موسى يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه وان حياته مهددة بالموت فما كان عليه الا ان يشق طريقه الى مدين .. وحال وصوله يرى امة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ( فسقى لهما ثم تولى الى الظل فقال رب اني لما أنزلت الي من خير فقير ) وما يلبث ان تاتيه احدى المرأتين على استحياء لتقول له أن اباها يدعوه ليجزيه اجر ما سقى لهما فلما جاءه وقص عليه القصص قال له لا تخف نجوت من القوم الظالمين .(قالت احداهما يا أبت استأجره ان خير من استاجرت القوي الأمين )

هي ذي النظرة الصائبة في الإختيار ..القوة والأمانة .

ويستأجر شعيب موسى ثماني سنوات او عشر لتكون احدى ابنتيه زوجة له ، وفي طريق العودة الى مصر وموسى ترافقه امرأته يرى نارا فما أن يقترب حتى تهزه المفاجأة ( فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى اني أنا الله رب العالمين ) 

انه الله يخاطب موسى مباشرة ومن غير وحي ، ترى أية ردة فعل تصيب موسى ! وها هو يرى عصاه تنقلب حية تسعى ويده بيضاء من غير سوء ..معجزتان فليذهب بهما الى فرعون لعله يرعوي لكن فرعون تأبى كبرياؤه التصديق بموسى متهما اياه بالسحر .

وتختتم سورة القصص هذه الحكاية بهذه الآية ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) ..هكذا كانت نهاية فرعون وجنوده .. الموت غرقا فيا لها من ميتة مخزية .

كم يتكرر هذا المشهد في السور القرآنية الأخرى ولكنه تكرار لا يمل منه السامع بعد أن جاء طرحه بوصفة ربانية ممتعة .. أجل يتكرر الحوار بين موسى وفرعون ثم يتكرر مشهد فرعون وهو يلقى مصيره ليكون عبرة لكل متكبر ظالم .

في سورة الكهف نجد موسى يلتقي بعبد من عباد الله آتاه الله علما ( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ، قال انك لن تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ، قال ستجدني صابرا ولن أعصي لك أمرا ) غير أن موسى لم يصبر على ما يفعله هذا الذي يرافقه محتجا على ما يرى منه ، ويدور حوار قصصي رائع بينهما حتى يقتنع موسى بسلامة موقف هذا الرجل الذي رافقه وأن ما أعطاه الله من علم اكثر مما هو بحوزته .

أما في سورة البقرة فانها استعراض طويل لما جرى لموسى مع قومه بني اسرائيل .. أكرم الله بني اسرائيل وفضلهم على العالمين ولكن قابلوا الاحسان باساءة ولم يشكروا نعم الله عليهم وكان أكثرهم فاسقين .

( وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله ان أكون من الجاهلين )

كان في ذبح البقرة عبرة في كشف الفاعل الحقيقي لجريمة القتل وهو اختبار لما في نفوس القوم .

كا وجد موسى نفسه وسطهم يتألم ويعاني من سوء افعالهم ، مرة يقولون له أرنا الله جهرة ومرة اتخذوا العجل معبودا لهم ومرة يريدون من موسى أن  يسأل الله باستبدال طعامهم الذي هو خير بالذي هو أدنى ، ومرة يرون قوما يعبدون صنما لهم فيهتز ايمانهم بسؤالهم موسى أن يعبدوا مثله .

وفي مشهد آخر يكشف سوء طوية القوم وتهاونهم في نصرة موسى وهو يريد بهم العودة الى الأرض المقدسة ( إذهب أنت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون ) هم هؤلاء بنو اسرائيل .. مخالفات مع موسى بل بعضها فيه كفر فجاء العقاب لهم من الله بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة ..وفي هذا التيه تنتهي حياة موسى بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة .

وتبقى قصة موسى لها دلالتها وعبرتها لتروي لنا المواقف الشجاعة التي وقفها هذا النبي الكريم إزاء الأحداث العاصفة التي أحاطت به سواء من فرعون أو من قومه بني اسرائيل ..مواقف سطرتها آيات القرآن بإسلوب قصصي ليس أروع منه .                    

     سابعا : مع قصة النبي أيوب 

    -------------------------

كلما ذكر الصبر ذكر صبر النبي أيوب .. هذا النبي أبتلي بداء طويل الأمد وسلب الله ماله وولده فظل صابرا لا يجزع وبقي في ذكر الله يخشع .

( وأيوب اذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين )

وقفة يدعو بها أيوب ربه أن يكشف عنه هذا الضر الذي أبتلي به وصبر عليه طويلا .. أي سقم أصابه وهو طريح الأرض ليست به قوة ليقف على قدميه وهذه امرأته هي من تخدمه وترعاه سنين طويلة ..قاستجاب له ربه ليشفى من مرضه ويعود اليه أهله وماله .

مرة أخرى يقول الله في شأنه ( وأذكر عبدنا أيوب اذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ،اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ، وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث انا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب )

ينادي أيوب الله بأن الشيطان هو من مسه بهذا الإبتلاء وهو حسن أدب منه استحياء من الله أن لا يقول هو من ابتلاني ، ويدله الله على بركة ماء ما أن يغتسل بها حتى يشفى من مرضه وتعود اليه عافيته ومعها ما فقد من مال وولد مضاعفا ،وأن يضرب أمرأته بحزمة قصب ضربة واحدة بعد أن كان أقسم من قبل ليضربنها بعود مئة ضربة بسبب أنها تأخرت يوما عن خدمته ، ويمتدح الله أيوب في هذه الآية بقوله : انا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب ،فأي ثناء وتكريم من الله لأيوب الذي صبر صبرا لا مثيل له وانه كان كثير الرجوع الى الله .

ان في قصة أيوب درسا وعبرة لمن يريد أن يخضع لمشيئة الله وأن يكون الصبر هو الحل الأمثل لمعالجة الأزمات ، ذلك أنه اذا لم يحتوينا الصبر في المواقف الصعبة فلا جدوى .

لقد صبر النبي يعقوب من قبل على فراق يوسف  ولكن صبر النبي أيوب كان أقوى وهو يرى أن سقمه قد طال أمده رغم ثقته بالله .

وتبقى قصة أيوب تثير فينا التساؤل : هل لنا القدرة في أن يحتوينا الصبر لو أصابنا بعض ما أصاب ايوب من مرض وفقد مال وولد ؟

ثامنا : مع قصة النبي لوط

-------------------------

أرسل الله النبي لوط إلى قوم هم أهل فاحشة اذ كانوا يأتون الرجال شهوة دون النساء فلم ينفع معهم نصح لوط .

( إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون ، اني لكم رسول أمين ،فاتقوا الله واطيعون ) 

حاول النبي لوط أن يثنيهم عن فعل الفاحشة ولكنهم مضوا يفعلون المنكر دون حياء .. ( أتأتون الذكران من العالمين ، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) تركوا الزوجات وانحرفوا إلى الرجال يبتغون الشهوة فأي قوم هم ! يقول عنهم رب العزة بأنهم قوم عادون ، زاغوا عن الفطرة وخالفوها فهم أسوأ الأقوام ( قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ،قال اني لعملكم من القالين ، رب نجني وأهلي مما يعملون ) هكذا هم يهددون لوطا بطرده من القرية لأنه يريد لهم أن يصلحوا أنفسهم ويتطهروا من فعل الفاحشة فدعا ربه أن ينجيه هو وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ..( وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ) لم يمهلهم ربهم طويلا فأنزل عليهم مطرا ولكن أي مطر إنه مطر نقمة وهلاك جزاء بما كانوا يفعلون .

ويتكرر المشهد في سور قرآنية متعددة ولكن بأسلوب رباني ممتع لا يمل منه القارئ .( ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن انا منجوك وأهلك إلا امراتك كانت من الغابرين ، إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) 

ما أن جاءت الملائكة لوطا حتى حسب أنهم ضيوفا فجزع وخاف عليهم من قومه فيما يفعلون من منكر غير ان الملائكة يبشرونه بأن عذاب الله سيصيبهم لما اقترفوه من فاحشة .

( وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتفوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد )

هكذا يريدون فعل الفاحشة مع ضيوف لوط فعرض عليهم لوط بناته فهن اطهر بدلا من هذا الخزي الفاحش للضيوف ، ولم يكن يعلم لوط بعد ان الضيوف ملائكة ..( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ، قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا اليك فأسر بأهلك بقطع من الليل .....ان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) 

تمنى لوط ان تكون له قوة يبطش بالمعتدين او انه يلجأ الى مكان امين يحمي ضيوفه ، فأخبره الضيوف بأنهم ملائكة وأن يخرج هو وأهله في أواخر الليل وأن موعد هلاك القوم هو الصبح والصبح قريب .

( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) 

هكذا نهاية المنحرفين الضالين ، نهاية مخزية .. لقد جاءهم جبريل غاضبا فرفع القرية بجناحيه حتى جعل عاليها سافلها بعد أن أمطرهم حجرا من سجيل منضود ، إنها عقوبتان في آن واحد لكبير جرمهم وإتيانهم فاحشة اللواط جهارا بعد ان نزع ثوب الحياء منهم .

إن هذا النبي الصالح لوطا عانى من قومه ما عاناه  فضجر منهم إذ لم يسمعوا له نصحا حتى تمنى ان يكون له ركن يأوي اليه ولكن الله نصره في آخر الأمر بعد أن اهلكهم بالعذاب الذي يستحقون .

إن السرد القرأني لقصة النبي لوط مع قومه سرد شديد الوقع على النفس لما فيه من تهديد ووعيد لقوم انحرفوا عن جادة الطريق ، ثم إن فيه لعبرة لمن يسلك هذا الطريق ليصيبه الخزي والهوان مع غضب من الله فيه لعنة وعذاب غير مردود .                                

مع قصة نبينا محمد ( الجزء الأول )

--------------------------------

لم يذكر اسم نبينا محمد في القرآن سوى أربع مرات والخامسة ذكر بإسم أحمد ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ...) سورة آل عمران

( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) سورة الأحزاب .

( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ) سورة محمد .

( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ..) سورة الفتح .

(وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) سورة الصف .

ومع ذلك فإن القرآن أنزله الله عليه وهو في أغلبه خطاب مباشر اليه ( يا أيها النبي ... )( يا أيها الرسول ...) ( قل للمؤمنين ..) ( قل يا أيها الكافرون .. )

وقصة نبينا محمد في القرآن ليست كقصص الأنبياء الآخرين ، فهي قصة تتزاحم أحداثها منذ نزول الوحي حتى انقطاعه قبل وفاة النبي بقليل .. وكانت البداية ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) لحظة تهز محمدا هزا وجبريل يكرر عليه اقرأ ويعود محمد إلى البيت وهو في ذهول غير ان خديجة تقف معه وتشد ازره .

انه الوحي وان محمدا لنبي ( يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر )

وهكذا تبدأ المسيرة غير ان النبي لا يستطيع أن يجهر فالعدد الذي آمن به ما زال قليلا وقريش ما زالت تدعو وتردد ( أعل هبل ) ماضية في شركها ووثنيتها .

( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ما أن نزلت هذه الآية حتى يدعو النبي من عشيرة جده عبد المطلب معلنا أن الله بعثه نبيا للناس كافة فكان عمه أبو لهب أول من كذبه وسخر منه ، وهكذا بدأت حملة شرسة من هذا العم وامرأته ضد النبي ومعها أذى كثيرا وبدأ صناديد قريش أمثال ابي جهل والنضر والوليد بن المغيرة وأمثالهم ينددون بالنبي ومن آمن معه .

( قال يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل فسوف تعلمون ، من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) تتنزل الآيات على النبي تباعا ولكن القوم في غفلة ويركبهم غرور ، لن ينفع معهم التذكير .

ويهاجر نفر من المسلمين الى الحبشة بعيدا عما يلقونه من أذى كفار قريش ، وتفرض قريش الحصار على النبي ومن يواليه من عشيرته في شعب أبي طالب ثلاث سنوات في محاولة يائسه تريد بها ان تثنيه عن المضي في الدعوة ، وما أن يفشل هذا الحصار حتى يفجع النبي بأعظم نصيرين هما خديجة وابوطالب .( واصبر وما صبرك إلا بالله ) وسمي هذا العام بعام الحزن .

ومع هذا يمضي النبي في رحلته متوجها إلى الطائف هذه المرة عسى أن يجد من يستجيب لدعوته غير أن أهل الطائف يردونه ردا قبيحا ويسلطون صبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين .

مشهد تتفطر له القلوب ويرفع النبي رأسه إلى السماء في دعاء تدمع له العيون ( اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي )

ويعود رسول الله الى مكة حزينا مهموما ، غير أن الله لن يتخلى عنه وإذا بجبريل يأتيه ذات ليلة وهو في فراشه ليأخذه في رحلة الإسراء والمعراج ويطوف به في اقطار السماوات حتى يبلغ سدرة المنتهى حيث جنة المأوى (ما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى )

لقد كافأ الله رسوله هذه المكافأة العظيمة بعد تلك الشدة وذلك الحزن ، وحيث ما كان رسول الله في رحلته هذه فرضت الصلاة لفضلها وعظيم أجرها .

وكذبته قريش ولكن ما جدوى تكذيبهم ما دام الله أكرمه هذا التكريم .ويفتح الله بابا لنبيه في دعوته إذ يلتقي بجمع من يثرب عند العقبة في موسم الحج ، فما أن يكلمهم رسول الله عن الإسلام حتى يؤمنوا لتبدأ بعدها صفحة جديدة في مسار الدعوة إذ راحت تزداد أعداد من اسلموا من اهل يثرب وأصبح لهم ثقلهم بعد أن راح مصعب بن عمير يعلمهم الدين الجديد ، وأمر النبي المسلمين في مكة بالهجرة الى يثرب لتكون مقاما لهم بعيدا عن طواغيت قريش. 

مع قصة نبينا محمد ( الجزء الثاني )

-------------------------------

حانت ساعة هجرة النبي الى يثرب بعد ان ارادت له قريش كيدا فجاءه الوحي يأمره بهذه الهجرة فاختار ابا بكر ليرافقه في هذه المهمة الصعبة   (ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا )      وفي يثرب التي تحول اسمها الى المدينة استقبل اهلها النبي استقبالا عظيما .. بداية جديدة وعهد جديد ، وما أن بنى رسول الله المسجد حتى عظم شأن المسلمين ، اذ لم يكن المسجد مكان عبادة فحسب بل بمثابة مقر للدولة الجديدة التي يتولى زمام أمورها رسول الله .

وتتوالى الأحداث سريعا .. معركة بدر أولا وفيها نصر حاسم للمسلمين وهم قلة على المشركين وهم كثرة ، وأصيبت قريش بمقتل وخيرة رجالها يصرعهم الموت بسيوف المسلمين ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )

غير أنه في معركة أحد يتغير الموقف اذ يخسر المسلمون المعركة بعد ان كان اولها نصرا لهم ، وكان درسا قاسيا لمن خالف اوامر الرسول ونزل من الجبل طمعا في الغنيمة ..( ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) 

وفي معركة الخندق جهز المشركون جيشا عدته عشرة آلاف مقاتل تحالفت به قريش مع عدد من القبائل حتى سمي بجيش الاحزاب غرضه سحق المسلمين وابادتهم في عقر المدينة ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا )

وما هي الا بضع سنوات حتى يأتي النصر الحاسم بفتح مكة وتدين قريش اخيرا بالاسلام بعد مكابرة طويلة وبعد ان يعفو عنهم النبي ، وبذلك تنتهي صفحة من الوثنية كان عليها العرب الى الأبد . ( انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما )

وجاءت الوفود من انحاء الجزيرة العربية الى المدينة حيث النبي تعلن اسلامها بين يديه ..وهكذا أصبح للإسلام مركز قوة لا يستهان به .

وفي العام العاشر الهجري كانت حجة الوداع التي يؤدي النبي مناسكها في جمع غفير من المسلمين يعلمهم فيها كيفية أدائها  ثم يلقي خطبته الشهيرة خطبة الوداع التي تحمل في طياتها احسن الكلام وكأنما هو يودعهم بقوله ( لعلي لا القاكم بعد عامي هذا )

وما ان يعود رسول الله الى المدينة حتى تداهمه الحمى بعد زمن قصير ثم لتأتي ساعة الفراق بعد ان خيره جبريل بين الدنيا والآخرة فيقول بل الرفيق الأعلى .. لقد انتهت المهمة وانقطع الوحي ( اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )

أنكر البعض أن يكون رسول الله قد مات ولكن جاء من يقول القول الفصل ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ) 

مات محمد ولكنه حي في قلب كل مؤمن ، مات محمد ولكن رسالته باقية الى يوم الدين .

وتبقى سيرة النبي المصطفى سيرة عطرة  نلهج بذكرها كل حين ونتخذها أسوة حسنة في سلوكنا ( ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن أراد الله واليوم الآخر) .

وتبقى سيرته تحمل في طياتها عشرات القصص ، في كل قصة منها جهاد وتضحية وفداء وشجاعة وصبر وخلق عظيم ، وهذا هو رب العزة يزكي محمدا في قرآنه تزكية خالصة طاهرة ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .

وفي آخر المطاف ما علينا الا أن نردد قول الله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )  

ثاني عشر : مع قصة الملك سليمان 

--------------------------------

( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه اواب ) 

النبي سليمان هو الآخر كان ملكا ونبيا بعد ابيه داود ، وقد مدحه الله واثنى عليه كثيرا ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي انك انت الوهاب ، فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص) 

أي ملك كان للنبي سليمان وهبه الله له وسخر له الريح تنقله الى حيث يشاء من ارض مملكته ، حتى الشياطين كانت تعمل بين يديه في البناء والغوص في البحر .

في سورة النمل يأتي تفصيل لقصة سليمان ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون ، حتى اذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) هكذا كان لسليمان جنود من الجن والانس والطير ، فأية سلطة هذه وأي نفوذ ! وما أن يصل جيش سليمان الى وادي النمل حتى تقول نملة لبقية النمل أن يدخلوا مساكنهم قبل أن يحطمنهم سليمان وجنوده دون ان يدرون ، فما يلبث سليمان ان يبتسم بعد ان فهم لغة النمل ورفع رأسه الى السماء شاكرا الله على ما أنعم عليه .

( وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين )

أين هو الهدهد ان لم يأتني بحجة على غيابه سأفعل به ما أفعل ، غير أن غياب الهدهد كان فيه خير كثير ذلك لآنه جاء لسليمان بخبر عظيم ..من سبأ التي تحكمها امرأة ذات عرش عظيم غير انها وقومها يعبدون الشمس من دون الله فاراد سليمان ان يتأكد مما اخبره الهدهد فأرسل بكتاب معه اليهم ( قالت يا أيها الملأ اني القي الي كتاب كريم ، انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا تعلو علي وآتوني مسلمين )

وتمضي القصة بأحداثها بآيات باهرات حتى تستشير بلقيس قومها فيتركون الأمر لها لتقول ان لا طاقة لنا بقتال سليمان وان الملوك اذا دخلوا قرية أذلوها فتقترح ارسال هدية لترى ردة الفعل غير ان سليمان يغضب ليقول من يأتيني بعرشها ، وما أن يرى عرشها بين يديه يسألها اهكذا عرشك لتقول كأنه هو ثم دخلت الصرح فحسبته لجة وكشفت عن ساقيها فقال لها سليمان انه صرح ممرد من قوارير( فقالت رب اني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ).

في سورة سبأ يتكرر المشهد عن قصة سليمان مع بعض الاختلاف ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير ) 

هي ذي الريح تنقله الى حيث يشاء ، وهؤلاء الشياطين مسخرين لخدمته ومن يخالف أمره يذق عذاب النار ، انه سليمان النبي والملك دانت له مملكة اسرائيل زمنا وهو في قوته ونفوذه غير ان الموت يأتيه آخر الأمر ولكن أية ميتة ماتها سليمان ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) .. كان يتعبد في محرابه بعد ان اغلق الأبواب فجاءه ملك الموت وهو في وقفته يتوكأ على منسأته فلم يعلم أحد بموته الا بعد ان أكلت دابة الارض منسأته وسقط على الأرض .

العبرة التي نستخلصها من قصة سليمان ان الله اكرمه وانعم عليه ووهبه الملك والنبوة لأنه كان كثير العبادة لا يتوانى من فعل الخيرات ومرضية الله وشكره . 

ثالث عشر : مع قصة النبي هود 

----------------------------------------

جاء في سورة الفجر ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، ارم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد )

كانت عاد عامرة بما تتمتع به من خيرات وكانت لها ابنية رفيعة محكمة بالعمد ، وجاءهم النبي هود يدعوهم الى عبادة الله فلم يستجيبوا له فماذا فعل الله بهم ؟ 

( كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر ، انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ، فكيف كان عذابي ونذر ) هكذا سلط عليهم الله ريحا باردة شديدة تقلعهم من أماكنهم وترميهم بعيدا حتى هلكوا ، انه عذاب الله للكفرة الفاجرين .

( كذبت عاد المرسلين ، اذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ، اني لكم رسول أمين ، فاتقوا الله وأطيعون ) 

ما أن جاءهم هود يبلغهم رسالته وان يتقوا الله ويعودون اليه وان يطيعوه فيما يدعوهم اليه حتى كذبوه .

(أتبنون بكل ريع آية تعبثون ، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ، واذا بطشتم بطشتم جبارين ، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ، أمدكم بأنعام وبنين ، وجنات وعيون ) 

لقد كانت لهم أبنية مرتفعة على الطرق ولهم قصور وحصون كأنما لا يأتيهم الموت ، وقد أعطاهم الله من بهجة الدنيا ما أعطاهم ولكنهم بطروا في معيشتهم وزاغوا عن الحق .

( اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ، قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ، ان هذا الا خلق الأولين ، وما نحن بمعذبين ، فكذبوه فأهلكناهم ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )

كان هود خائفا عليهم من عذاب الله فلبث فيهم زمنا يعظهم وينصحهم غير انهم مضوا في طريق الضلال غير عابئين بما يقول بل اتهموه بالكذب فأهلكهم الله بعذاب مبين الا قلة من المؤمنين .

هكذا تمضي قصة النبي هود مع قومه ..قصة تتكرر في عدد من سور القرآن الكريم ولكن صياغتها وطريقة عرضها لا تتشابه ، هو ذا الأسلوب القرآني ، أسلوب يبهرك بوقعه وجماله .

في سورة فصلت تأتي قصة هود على هذا النحو ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ، فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في ايام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون )

لقد أصاب القوم غرور وكبرياء حتى ليقول قائلهم من أشد منا قوة فتناسوا ان الله أشد منهم قوة ، وهم بهذا النهج وبكفرهم وبعصيانهم لدعوة هود أرسل عليهم الله ريحا باردة في ايام نحسات ليعذبهم ويهلكهم وسيأتيهم عذاب في الآخرة أشد وأخزى .

وفي سورة الأحقاف يتكرر المشهد مرة أخرى ولكن أشد وقعا على قوم عاد ( واذكر أخا عاد اذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذرمن بين يديه ومن خلفه الا تعبدوا الا الله اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ، قالوا اجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين )

كان القوم يسكنون في واد بين عمان وأرض مهرة يسمى الأحقاف فلما جاءهم هود أنذرهم من عقاب الله بضلالهم هذا فقالوا له اتريد ان تصرفنا عن عبادة آلهتنا ثم كان التحدي بقولهم ليأت ما تعدنا به من عذاب ربك ان كنت من الصادقين .

( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ، تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين )

هذه هي خاتمتهم خاتمة مخزية جزاء وفاقا لشركهم وسوء اعمالهم .                 رابع عشر : مع قصة النبي صالح -

----------------------------------------

في سورة الشعراء تفصيل لقصة النبي صالح أكثر مما في السور الأخرى   ( كذبت ثمود المرسلين ، إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون ، إني لكم رسول أمين ،فاتقوا الله وأطيعون ) 

انها البداية إذ يقول لهم النبي صالح أن يؤمنوا بربهم ويتقوه ، وهو ليس الا رسولا اليهم لا يريد منهم أجرا فما عليهم إلا طاعته ليفلحوا ..( أتتركون في ما هاهنا آمنين ، في جنات وعيون ، وزروع ونخل طلعها هضيم ، وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ، فاتقوا الله وأطيعون ) 

لقد رزقهم الله رزقا حسنا ، وها هو الزرع يثمر بما فيه النخل ، وهاهم نحتوا لهم بيوتا من الجبال حتى تيسرت لهم وسيلة العيش واطمأنوا بالحياة ولكن هل قدروا الله حق قدره ( ولا تطيعوا أمر المسرفين ، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، قالوا إنما أنت من المسحرين ، ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية ان كنت من الصادقين ) 

يحاول النبي صالح ان ينقذهم مما هم فيه من ضلال فلا يطيعوا من يفسد عليهم حياتهم ، فاتهموه بانه مغلوب على عقله وليأت بآية ان كان صادقا .

( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ، فعقروها فأصبحوا نادمين ، فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )

جاءتهم الآية متمثلة بناقة تولدت من صخرة باذن الله تسقيهم من لبنها يوما وتسقي وليدها يوما ، أوصاهم صالح ألا يلحقوا بها أي أذى والا نالهم عذاب شديد ، غير أنهم لم يلبثوا حتى قتلوها ثم ندموا ليأتيهم العذاب وأي عذاب ! 

في سورة النمل تكاد تكتمل القصة ( ولقد أرسلنا إلى ثمود اخاهم صالحا ان اعبدوا الله فاذا هم فريقان يختصمون ، قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ، قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل انتم قوم تفتنون )

ما أن أرسل الله صالحا لقومه يدعوهم الى عبادة الله حتى دب الخلاف بينهم فخاطبهم ان يستغفروا الله ويتبعوا الحسنات فردوا عليه انهم تشاءموا منه فقال لهم ان هذا الشؤم الذي تتحدثون عنه هو من عند الله وأن الشيطان هو من يفتنكم ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ، ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لآية لقوم يعلمون )

وكان ممن يفسدون تسعة أشخاص من الرؤساء اتفقوا وحلفوا لنقتلن صالحا واهله ليلا بغتة غير ان الله أسرع منهم وأكثر مكرا فأنزل عليهم العقاب بصاعقة أحرقتهم وها هي بيوتهم لم تسكن من بعدهم جراء ظلمهم ومكرهم

في سورة القمر تأتي الآيات يردف بعضها بعضا في مشهد له صداه على النفس بوقع عباراته وحبكة أسلوبه ( كذبت ثمود بالنذر ، فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال وسعر، أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر ، سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) 

ما زالوا في تكذيب للنبي صالح ويقولون كيف نؤمن به وهو ليس إلا واحدا منا أترانا مجنونين بل هو كذاب متكبر فيقول لهم الله غدا ستعرفون من هو  الكذاب ..( إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ، ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر ، فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ،فكيف كان عذابي ونذر ، إنا ارسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ) 

إن الناقة التي أرسلها الله للقوم ابتلاء فلا تتعجل عليهم يا صالح ، انا سننصرك ونخذلهم وأخبرهم أن الماء يكون يوما لهم ويوما للناقة ، غير أن أحدهم غدر فقتل الناقة فأنذرهم صالح بالعذاب المرتقب فإذا بالصاعقة تحرقهم وتهلكهم .

هكذا كانت ثمود كافرة متكبرة بطرة لم يثمر معهم نصح النبي صالح بعد أن صبر عليهم طويلا حتى جاءهم العذاب المهين .

وفي سورة الحجر تأتي الآيات حاسمة في هلاك ثمود ( ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ، وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين ، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ، فأخذتهم الصيحة مشرقين ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) 

وأصحاب الحجر هم قوم ثمود ،والحجر ديارهم بين المدينة والشام ، اهلكهم الله بالصاعقة وقت الشروق فلم ينفعهم ما كانوا يكسبون بعد أن تمادوا بالكفر والعصيان .

وفي سورة الاعراف أيضا تكرار لقصة النبي صالح مع قومه ثمود ولكن أي تكرار هو ! تكرار يتغير ايقاعه بآيات باهرات ( وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) وتمضي الآيات متتابعة حتى يأتي  قوله تعالى (فعقروا الناقة  وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح آئتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين ، فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ، فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )

أجل .. إنهم لا يحبون من ينصحهم ، لقد أراد لهم النبي صالح الخير ولكنهم أبوا إلا المضي في طريق الهلاك ، وهكذا كانت نهايتهم .                                         

خامس عشر : مع قصة النبي شعيب 

---------------------------------

في سورة الأعراف يقول الله تعالى ( والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا المكيال والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين ) 

ينصح النبي شعيب قومه أن يعبدوا الله ولا ينقصوا من المكيال والميزان  في بيعهم وشرائهم مع الناس وألا بفسدوا في الأرض ولكن هل سمعوا النصيحة ؟ لا انهم قوم مفسدون .. ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) 

وتمضي الآيات بالتهديد والوعيد لقوم مفسدين يصدون المؤمنين ممن تبع شعيبا ويلحقون بهم الأذى ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون ، فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين )

ما زالوا على عنادهم يهددون أتباع شعيب بأنهم سيخسرون في وقت ظلموا هم أنفسهم فجاءهم العذاب برجفة اهلكتهم وهم في ديارهم ، لقد نصحهم نبيهم فهل يأسف على قوم كافرين ؟

وفي سورة الشعراء يتكرر المشهد بلغة قرآنية محكمة لها وقعها  على أذن السامع ( كذب أصحاب الأيكة المرسلين ، اذ قال لهم شعيب ألا تتقون ، اني لكم رسول أمين ، فاتقوا الله وأطيعون ) 

أصحاب الأيكة هم اهل مدين لهم غيضة كثيفة ملتفة بالشجر وقد كذبوا شعيبا ، فنصحهم بأن يتقوا الله ويطيعوه ..( أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ، وزنوا بالقسطاس المستقيم ، ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) لم يكونوا أمناء في الكيل والوزن وينقصون الناس في ذلك ، وتكررت نصائح النبي شعيب بهذا الشأن ولكنهم لم يصغوا اليه وتمادوا في فسادهم .. ثم وقفوا يتحدونه بقولهم( فاسقط علينا كسفا ان كنت من الصادقين ، قال ربي أعلم بما تعملون ، فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم ) قالوا لشعيب لينزل ربك علينا قطعا من النار ان كنت صادقا فجاءهم العذاب بسحابة أظلتهم ثم أمطرتهم نارا .

وفي سورة هود تبيان اكثر لهؤلاء القوم الذين ما زالوا يكذبون شعيبا ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء انك لأنت الحليم الرشيد ) ها هم يقفون منه موقف السخرية وأن صلاته ليست بديلا عن عبادة آبائهم وانهم احرار فيما يفعلون بأموالهم ، ثم تزداد سخريتهم بقولهم أهذا انت الحليم الرشيد .

( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما انت علينا بعزيز ،قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ان ربي بما تعملون محيط ) 

بعد ان يطول الجدال بين شعيب وقومه يتجرأون عليه بقولهم لولا عشيرتك لقتلناك رجما فيرد عليهم الرد الجميل اتكون عشيرتي اعز من الله فيالكم من قوم ضالين .

( ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين ، ا ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود )

هكذا هي نهاية كل ظالم .. جاءهم العذاب المهين صيحة معها رجفة ليكونوا خامدين ، ألا بعدا لهؤلاء القوم كما بعدت ثمود وكما بعدت الاقوام الأخرى التي كفرت بربها وعاثت في الأرض فسادا .                                     

 ناجح صالح / العراق

 

                                    



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نجواى أنت // بقلم الشاعر رحب كومى

رثاء شاعر الوطن // بقلم أ. سامية البابا

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع