يصرخ الأب // بقلم حسام سليمان المحمد
المشهد الأخير
السادسة صباحا...
رن جرس المنبه في ذلك البيت الصغير الأنيق والمرتب...
استيقظت الأم...
قرأت بعض الآيات الكريمة والتي تعودت قراءتها كل صباح...
نهضت من السرير غسلت وجهها ويديها فتحت جوالها وببعض اللمسات الناعمة بدأ صوت فيروز (وطني ياصغير ووسع الدنى ياوطني) يملأ البيت دفئا في هذا الصباح الخريفي..
اتجهت إلى المطبخ بدأت بتحضير الفطور رتبته على الطاولة المستديرة بكل أناقة..
دخلت إلى غرفة الأطفال...
هيا يا أحبتي الفطور جاهز استيقظوا
استيقظ كل من نصر ابن السادسة وجنة
ابنة الرابعة وهما يفركان عيونهما الجميلة البريئة...
طبعت الأم على جبينهما قبلة الصباح وهي تضمهم إلى صدرها.. هيا ياعصافيري
كي لا تتأخرا وهي تخاطب جنة قالت لي معلمة الروضة انك كنت كثيرة الحركة في الأمس أريدك اليوم أن تكوني مهذبة...
غادرت غرفة الأطفال اتجهت لغرفة النوم جلست على طرف السرير...
طبعت قبلتها اليومية على خد زوجها..
صباح الخير حبيبي الفطور جاهز..
استيقظ بابتسامة رائعة تختزل كل حبه وعشقه لزوجته وعائلته....
الجميع حول المائدة يتحدثون ويضحكون فجأة....
صوت طائرة حربية يقترب...
يزداد اقتراب الصوت...
الجميع ينظر نحو الأعلى وكأنهم تجمدوا...
الصوت يقترب كثيرا..أصوات انفجارات تهز البيت
يقف الأب والأم مرتعبين...يحمل الأب الطفلة ويصرخ دعونا ننزل...
فجأة انفجار هائل...
غبار كثيف جدا....
أصبح البيت كومة ركام...
تمر الدقائق...
صوت أنين خافت لطفل يحاول جاهدا تحريك قدميه ولكنه يعجز فقد كانت الثلاجة فوقهما وفوق الثلاجة أطنان من الجدران المهدمة فتح عينيه نظر حوله وهو يستفيق من هول الصدمة...
رأى أباه يضم اخته جنة إلى صدره جسد الطفلة الصغيرة على الأرض وجسد الاب فوقها محاولا حمايتها بنفسه والحجارة تغطي ظهره وقميصه الأبيض قذ غدا احمر اللون.. نظر في الناحية الأخرى.. لمح جسد أمه ولكن رأسها لم يكن ظاهرا فقد غطته الحجارة..
بدأ يصرخ ماما ماما.. بابا بابا.. جنة . ولا مجيب...
بدأ بالبكاء لشدة الألم والوحدة يصمت قليلا يعاود الصراخ بأسماء ابيه وأمه واخته سدى.... يغفو قليلا.. يستيقظ مرتعبا...
ماما اريد أن أشرب لقد عطشت...
لا أستطيع التحرك أريد ماء...
نظر بقربه.. كانت حقيبته المدرسية في متناول يده.. سحبها نحوه بصعوبة والحجارة الصغيرة تتساقط عنها....
يحدث نفسه...
لدينا اليوم في الحصة الأولى درس تهجئة
اخرج كتاب اللغة العربية للصف الأول..
فتحه وبدأ...
أ ولام ال وَ نون.. الن و صاد النص وَ راء...
النصر
لام وفاء لف وَسين لفلس وَ طاء لفلسط. وَياء لفلسطي وَ نون لفلسطين
النصر لفلسطين
حسنا ستفرح امي كثيرا لقد هجأت الجملة
أغمض عينيه وبدأ خيط النور الذي كان يتسلل من بين الركام يختفي قليلا قليلا. وحين أتم إغلاق عينيه بدأ نور أبيض ساطع يشرق رويدا رويدا ليملأ المكان وأصوات ملائكية عذبة تنادي
(سلام عليكم طبتم فادخلوها آمنين)
في تلك اللحظة رأى عائلته كلها أباه وأمه وأخته يفتحون له أذرعهم وهو يركض نحوهم والضحكات تعلو وجوههم جميعا.......
حسام سليمان المحمد
يصرخ الأب
تعليقات
إرسال تعليق