الطفولة بين عهدين // بقلم : ناجح صالح

 - الطفولة بين عهدين - 


في ذلك العهد وفي الخمسينات منه تحديدا كان للطفولة معنى جميلا يليق بها .. فهي طفولة ممتعة تلهو وتمارس لعبها ومرحها في أجواء تضفي عليها البهجة في تلك الأزقة التقليدية التي ترمز إلى سحر الماضي وعبقه وقوة الرباط الإجتماعي الذي يسود تلك الأجواء .

وقد أضفت مثل هذه البيئة على الطفولة الحب  والوئام لتغرس في قلوبهم الطرية تلك الخصال لسنوات قادمة من حياتهم ، ذلك أن لهو الطفولة يتحول فيما بعد إلى صداقة عميقة تظل تكبر كلما مرت عليها الأيام .

وقبل سن المدرسة كانت الكتاتيب تعطي للطفولة أول الدروس في تعليمهم ولم تكن هذه الدروس سوى الحفظ لبعض سور القرآن القصيرة لتستوعبها الصدور .. إنها بداية جيدة لعهد الطفولة لتكون خزينا لها لأيام المدرسة .

فإذا بلغ الأطفال السن التي تؤهلهم لدخول المدرسة ذهبوا اليها على خوف ورهبة أول الأمر ثم ليعتادوا عليها آخر الأمر .

وكان للمدرسة نظامها الصارم وأسلوبها التربوي الشديد ، لذا كان على الصغار المبتدئين أن يجهدوا أنفسهم كي يكلل عامهم الدراسي بالنجاح وإلا كان الفشل حليف المهملين .

وهكذا كان على من هم في سن الطفولة الالتزام والمثابرة واحترام النظام ليكونوا رجال الغد القادرين على تحمل المسؤولية .

ومع هذا كله لا يمكن أن نغفل دور البيت في هذا المضمار ، فعلاقة الأب مع أطفاله تميزت بالتربية الصارمة التي لا تخلو من العقاب بين حين وحين لأقل هفوة ، إنه الأسلوب التقليدي الذي اعتاد عليه الآباء فلا مناص من قبوله والتسليم له لتكون للطفولة سماتها المميزة الخاضعة تماما لسيطرة الكبار .

أما العهد الذي أعقب ذلك العهد الأول فقد تحررت فيه الطفولة من أكثر القيود التي كانت تفرض عليها ولم تعد خاضعة لتلك التقاليد الثقيلة ، وبمعنى آخر تحولت الشدة الى لين والضرب المبرح إلى تسامح سواء في البيت أو المدرسة ، أما عالم الزقاق فقد ذهب إلى غير رجعة بعد أن خططت المدن بأسلوب حديث تكون فيه الشوارع فسيحة والمساكن متباعدة لتضعف معها العلاقات الإجتماعية لاسيما بعد الكثافة السكانية الكبيرة التي أصبحت طابع مدن اليوم . 

لقد تغيرت طريقة التعامل مع الطفولة في كل من البيت والمدرسة ، فهي طريقة أعطت للطفولة مساحة واسعة من الحرية وأسقطت أكثر القيود التي كانت تطوقها .

وما يتلقاه الأطفال المبتدئين في المدرسة من معلومات ليست كافية للإرتقاء بمستوياتهم .. انها معلومات ضئيلة لا تفي بإحتياجاتهم الحقيقية لها ، لقد تغيرت الطريقة وتغير الأسلوب وتغير الكتاب ، وهي خيبة ما بعدها خيبة .

وباختصار بدأت الطفولة تفتقد ذلك الحماس للتعلم ، وأصبح الإهمال واللامبالاة وضعف الأداء كميزات لطفولة اليوم .. الطفولة التي ستتبعها مراحل من العمر تكون قد ارتكزت على أسس واهية في تربيتها وفي تعليمها لنخسر بالتالي أهم مقومات نهضة المجتمع .                                 

  بقلمي : ناجح صالح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نجواى أنت // بقلم الشاعر رحب كومى

رثاء شاعر الوطن // بقلم أ. سامية البابا

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع