اسمه الأول عوض // بقلم نظير راجي الحاج

 (      اسمه الأول عوض.... )

_____________________________________________

ليتني لم ألاقيه، ولم أستمع له، لقد أوجعني كلامه، تحيرت هل أنقل هذا الوجع على صفحتي، أم أحتفظ به لنفسي!

فانتصرت شهية الكتابة، وكان الخيار كما ترونه أمامكم.

لاأعرفه، التقيت به في عزاء قبل أيام، وكان الحديث عن الزلزال المدمر لاخوتنا بتركيا وسوريا، وعرجنا على العبئ الكبير على طواقم الدفاع المدني والتمريض، وعلمت أثناء الحديث، ان المتحدث هو ممرض متقاعد من مستشفى الجامعة الأردنية في عمان.

لا أدري لماذا خطر ببالي أن أسأل الرجل:_يا طيب، أكيد مر عليك قصصًا منوعة في المستشفى، فما هي القصة التي لن تنساها، وزرعت بك غصة؟

بالبداية، لم يتكلم، لكن امتقع وجهه، وأخرج تنهيدة، ثم قال

هي قصة لمريض كنت أشرف عليه بالمستشفى، والقصة لن أنساها ما حييت.

كان عملي بالمستشفى هو المناوبة المسائية في قسم الباطني

رجال، ومر علي بمسيرتي ما هب ودب من المرضى، فرحت بالتأكيد لشفاء البعض، وحزنت لفقد من توفاه ربه.

بطل قصتي اسمه عوض..

أحضر للمستشفى وهو بحالة جسدية و نفسية سيئة جدا حيث كان مصابًابالسكري، وبعد الفحص له من الأطباء، قرروا بتر ساقيه الإثنتين من الركب، حيث كان مصابًا باعتلال أعصابه وتلفها.

أخذت أشجع الشاب عوض هذا، لكي يستوعب الأمر، فقال:_

أنا مؤمن، الحمد لله، وأنا راض بالمكتوب، لعله خير، يا طيب

هو قدري، لكنه فاجأني بقول غريب:_

لي طلب عندك، ولن أزعل إذا إعتذرت عن تلبيته، انت ممرض

طيب القلب، أرجوك أن تزور  قبر أمي، الموجود في مقبرة

ماركا الجنوبية، وأخذ يصف لي مكان القبر وموقعه، واسم والدته، ثم قال:_

قل لها إقترب اللقاء.. إقترب اللقاء، إنها تناديني بحلمي أن ألتحق بها.

قلت له:_حاضر، سأزورها، اوعدك،لكن لا تكن متشائم

  والأعمار بيد خالقها.

قال:_ما يؤلمني ليس بتر ساقَي، مع أن هذا مؤلم لي، لكن

ما يؤلمني ويقتلني أكثر، انه لم يزرني أحد من أقاربي.

ماذا أقول.. كم قدمت للجميع من العطايا، وساعدت الكثير ايام كنت أعمل في المانيا، وعندما عدت، وأصبحت بحالة سيئة، تخلى عني الجميع، هل لاحظت يا طيب، لماذا أسهر طوال الليل حتى الصباح؟

قلت :_نعم، لكن لم يخطر ببالي ان أسالك لماذا.

قال:_أجيبك، كل من بالغرفة من المرضى، ياتي أهاليهم ليزوروهم، وارى في عيونهم الحب والعاطفة تجاه هؤلاء المرضى، لكن يا صديقي لم يزرني أي بني آدم، فانا انام وقت الزيارة، لكي لا أحرج نفسي أمام الآخرين.

لقد تغيرالناس، ولم تعد القلوب قلوب، كنت دوما سندًا للآخرين، الكل تخلى عني.

يا أخي هناك ألمًا اكبر، وهو أنه لن يمشي بجنازتي أحد!

امس جاءتني أمي بالمنام، وقالت:_إنني أنتظرك يا ولدي

إشتقت أن أحضنك، قد يتخلى كل الناس عنك، إلا امك.

كفاية.. تعال.. تعال.

هذا الحلم يتكرر معي منذ دخولي المستشفى، وراح يبكي.

في اليوم التالي، وقبل أن أنهي ورديتي، رحت لأودعه كالعادة

لكن فوجئت أنه نائم، وبعكس العادة، فشككت بالأمر، فحركته فوجدته قد فارق الحياة، أخذت أبكي بحرقة عليه، بكاء لا يقل عن بكائي يوم ماتت أمي.

قطع حديثه، ومسح دموعه، ثم أكمل حديثه:_

وجدت ورقة مكتوبة وموضوعة تحت جسده، وهي مرسلة لي يقول فيها...

(يا صديقي.. يا آخر الرجال المحترمين ممن عرفتهم، أرجوك لا أريد أن اوضع بثلاجة الموتى، لأنه لن يأت اي شخص لأخراجي. 

في جيب بنطالي فلوس قليلة، آخر ما أملك، وأيضا ساعة فاخرة، معي من أيام العز.

سامحني إن كان هذا لا يكفي لمراسيم دفني، انت زرت قبر أمي، أرجو أن أدفن بأقرب مكان من قبرها.

تحياتي لك ولأسرتك..

عوض27/9/1991) 

توقف الرجل ثانية عن الحديث، وطلب أن يشرب ماء، ثم

أكمل..

الحمد لله، وعلى جناح السرعة، تواصلت مع معارفي وأقاربي

ورجوتهم للإشتراك بالجنازة، والحمد لله، كانت جنازة مهيبة للمرحوم.

طبعا الكل تأثر بالقصة، ثم قلت لهم:_

أصعب شيء على الإنسان أن تحرق أصابعك  كالشمع للآخر

لتنير له الطريق،  ثم تكتشف ان من أحرقت نفسك له، هو أعمى، ثم قلت:_

سأخبركم عن قصة حدثت سنة1937، حيث توقفت مباراة بين اتلنتيك وتشيلسي، بعيد الميلاد، وذلك لصعوبة الرؤيا في ملعب بريدج في مدينة الضباب لندن، كان حارس المرمى

سام بارترام، هو حارس مرمى اتلنتيك، وطبعا يقف ببن العارضتين، وعندما عم الضباب الملعب، وانعدمت الرؤيا

ألغى حكم الساعة بصفارته المباراة، وخرج بعدها الحكام واللاعبون الملعب للداخل، لكن لم يخبر  احد الحارس بهذا

وبقي الحارس ينتظر هجوم الفريق الخصم لمدة ربع ساعة

حتى وجده شرطي وعلم ما حصل.

حزن الحارس الذي كان يدافع عن الزملاء، وهم تركوه وحيدا

الحارس يشبه عوض واللاعبون أقاربه.

___

نظير راجي الحاج

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نجواى أنت // بقلم الشاعر رحب كومى

رثاء شاعر الوطن // بقلم أ. سامية البابا

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع