حذاء // بقلم نظير راجي الحاج
( حذاء )
_______________________.
كان هذا وأنا بالصف الأول، تقدمت والدتي باتجاهي، وكنت أجلس في حاكورة بيتنا.
شاهدتني وأنا أبكي، قالت:_لماذا تبكي يا ميمتي؟
قلت:_أريد كندرة(حذاء)، بعد أيام يأتي عيد الأضحى، لا أملك كندرة يامّة، ما ألبسها هي خردة، أنت تعرفي هذا وساكتة. كرهت حفايتي المقطعة الوحيدة، يامّة.. زملائي بالصف يسخروا مني، حتى معلم اللغة العربية وبّخني لكي أشتري حذاء.
هل نسيت يامّة، حين قال لنا مصلح الأحذية(الإسكافي) في آخر مرة رحنا لنصلح الحذاء، فاعتذر بقوله:_
إتسع الفتق على الراتق، يومها لم أفهم الجملة، وسألت نفس معلم اللغة العربية عن معناها، وقال:_ألم أقل لك، إشتر حذاء يا ولد.
حضنتني والدتي، وأخذتني بأول جمعة بعدها إلى مدينة نابلس، واتجهنا مباشرة إلى حارة الياسمينة، حيث وصلنا عند بائع بالة، حيث يبسط أحذيته المستعملة على الرصيف، كانت أصوات الباعة تملأ المكان، هذا يلبس لباسًا مزركشًا، ويضرب بالصاجات ويصرخ:_عسل يا خروب،وهذا يجر عربته وينادي
ريحاوي يا موز،وأصوات متداخلة أخرى.
طلبت أمي من بائع البالة ان يختار حذاء تناسبني.
سألني الرجل:_كم نمرة قدميك يا ولد؟
قلت:_لا أعرف.
قال:_لا بأس، ونظر إلى قدماي، ثم أخرج حذاء من البسطة وقال :_
هذا الحذاء يناسبك، لقد إشتريته من طفل بعمرك، كان قد حضر مع والدته الأرملة، هكذا علمت منها، وراحت تتوسل لي لأشتري الحذاء الوحيد للطفل، وبررت فعلتها لسببين:_
الأول.. أن ولدها قد بترت قدمه بسبب الغرغرينا، لهذا نراه يمشي على قدم واحدة، بمساعدة عكاز، وبالتالي لم يعد الحذاء يناسبه!
الثاني.. انهم بحاجة بمبلغ البيع، لشراء حاجات وضروريات الحياة.
توقف البائع عن الكلام، وبدأ عليه التأثر، ولاحظتُ أن أمي رفعت كُم ثوبها، ومسحت به دموعها، أما أنا فكنت بعالم آخر
هو الحذاء.
وضعتُ بتلهف قدماي داخل الحذاء، وسألني البائع:_
أيوة يا صبي، شو الأخبار، هل الحذاء يناسبك؟
قلت:_تمام، هي شهادة زور، فالحذاء ضيق جدا، ولكني خشيت أن تتراجع أمي عن الشراء، فتنسحب، مثل انسحابنا سنة1967.
لكن والدتي قالت:_شايف أن الصرماية (الحذاء) ضيقة عليك.
قلت لا، ومع الوقت ستتسع.
سألت أمي البائع عن السعر.
قال:_عشر قروش.
قالت أمي:_ليس معي والله، الا ثمان قروش زائدة عن أجرة عودتنا لقريتنا سبسطية، وبالمناسبة يا خوي، المصاري(النقود)
هذه، هي ثمن بيعي مغطاس(إناء فخار) حليب من نعجتنا
وثمن بيع بيض بلدي من دجاجاتنا، وزوج زغاليل(حمام) بصراحة كل ما بعته، هو قوت لنا، لكن صرعني المسخوط هذا، ووضع برأسي صداع!
البائع:_وماذا سأستفيد أنا!
هل من الحكمة والمعقول، ان أبيع بسعر الشراء، انا لن اربح شيء.
نظرت أمي إلى عيوني الحزينة، ونظر البائع لعيون أمي المنكسرة، فقال:_
مبروك، تهريه يا ولدي بتعب العافية
أخذ الفلوس من أمي، ثم أرجع لأمي قرشين، قائلا:_هل من المعقول أن تأتوا إلى نابلس، ولا تأكلوا من الكنافة النابلسة!
إذهبوا إلى محل العكر، عنده كنافة طيبة.
لبست الحذاء ومشيت، وكأن فيروز غنت لأجلي. خبطة قدمهم عالأرض هدارة.
لم تنته القصة..
على الرصيف الآخر، كان الطفل الذي باع حذاءه، يقف على عكازه، ويراقب بحسرة وحزن وألم، حذاءه الذي باعه مجبرًا
وكيف تغتصبه قدماي!
كان في قلبه جراح..
مثل طير منتوف الجناح..
يرى ريشة من جناحه تحملها الرياح.
___
نظير راجي الحاج
تعليقات
إرسال تعليق