السقوط // بقلم ابوشيماء كركوك
السقوط .............
ابوشيماء كركوك.
سكون الليل يجعل القلوب الطيبة تدق هوينا ، وترحل بأحلامها في أكواخ القرية ،التي يشق صمتها نباح الكلاب،
يهرع الرجال بأسلحتهم خوفا من ضياع الماشية والأغنام، وسرب الكلاب تكارد ذئبا الى البعيد
عند انشقاق السماء بولادة صبح جديد، تتكحل عيوننا برؤية أمي تلتحف بملابسها الفضفاضة وحجابها ذي الطابقين ،
ابتسامتها تفتح نافذة أمل في الحصول على الحلوى والنقود،
سنون تتسابق مع أحلام بنيناها في الصغر تحوطها كلمات أمي ودعائها الذي يملأ الكوخ ونحلم به في سكرات الأحلام،
في أول صفحة من أوراق يوم السبت تهيئ أمي حقيبتي وتملأها خبزا وحلوى وفاكهة ،
وأبي يحملني بسيارة البيكب الفلاحية ويقول:
رفعت رأسي أمام العشيرة بوصولك الى كراسي الجامعة،
عندما برقت السماء بضوء أخضر في نجاحي الى الكلية ،هلاهل أمي نزلت ك هدير الشلال على أبواب القرية ،
نساء ورجال يحملهم طائر الفرح ،
والنساء تشاطر هلاهل أمي ،وتعاشقت الأهازيج والأغاني وبات الجكليت يتساقط على رأسي وأنا مزهوا بالنجاح
ولكن أمي تهدي على الحاضرين قطعا نقدية بدلا من الحلوى،
ورقصت أمي رقصا لم يعرفه الناس ،حيث تندفع الى الخلف ممسكة بيديها منحنية ..
طلاب وطالبات في قاعة واحدة ،كانت لقاءات العيون المنبهرة التي لم نألفها من قبل ، فالتردد بات على الكلمات الخارجة من الأعماق يلونها الحياء
هيام زميلتي التي بجواري المرسوم على جسدها الممشوق حريرا رصاصيا وقميصا مزركشا ك لبس ملكات انكلترا ،عطرها الوردي يأخذ الناظرون الى مفاتنها وينقلني للبعيد،
شعرها السارح مع هواء المروحة ،
الذي يزيد المكان جمالا ،كأن شعرها جناحي حمامة تلوح ..
موجتان في البحر تتصارعان لدفع زورق لايعرف السباحة ، ولايعرف ماتخفيه أعماق المياه،
- عطرك يحتويني
أكتب على ورقة ملونة أخرجتها من دفترها ،لتملأ الوقت تسلية
- أنفاسك أجمل...
- ساحتك أحب أغنيتها
تجعلني أشرب كأسها ترسم حروفا
- رؤيتك دنيا أنساها
يشق حلمي كلمات أمي التي حذرتني من الوقوع في المصائد
وزميلتي تنتظر الرد ،وأمسكت يدي كأن قلبي طوعا لها يركض
- قبلة تطفىء نيراني
أحرقت اوراق أمي ،وأخذتها الى الطابق العلوي وكان مرتعا خاليا للهروب من الأنظار،
شفتاي تنظر الى ابتسامتها ،ويدي تجد لذتها ،تمسك برأسي وتزيدني شوقا حتى انهار الجسر....
كنت صغيرا أتعلم الركوب على الفرس ،ولكني أسقط كثيرا ،حتى
يقولون هذا ابن مدينة ،
وصديقي الماهر قفز به الحصان قرب النهر وأسقطه في الماء وضحكنا عليه
حط يوم الخميس في الكلية ، وباتت حركة الخروج جارية الا أنا وهي كنا نتبادل القبل ليبقى عطرها الى اللقاء القادم،
همسها مع زميلة أخرى لايعجبني وتتطاير أدخنة الشكوك الى روحي ،ولكن ثوب العشق يغطي عيوني ،
في حضن أمي تضيع كل السطور
تحاول زرع شتلة الفرح بقلبي بخطوبة بنت خالتي ،ولكن هيام تربعت على صدري ،وبت لاأسمع سوى اسمها
يبدو الوقت يتأمر علي ويجعل صوت القطار بعيدا ،وحروف مظلمة تتسلل الى داخلي ،
عند دخولي الجامعة ،أرى من بعيد فتاة تشبهها مع شاب أنيق يتجاذبان لذيذ الحروف ،ومن شدة الهمس تراه يحظنها،
باتت قدماي تتعثر في الطريق ، تذكرت كلام طالبة عيناها دوما ترسلها لي ،ولكن لمياء سور بنائها لاتدخله حمامة اخرى
خطوطي بدت مبعثرة ،كأنها لوحة سقطت عليها ألوانا سوداء أخفت معالمها،
في المحاضرة تبادلنا النظرات الصامتة ،عند وجهها غموض وداخلي عناق شوق،
هكذا الذي تسقط من يده اوراق أمه يبقى في دوامة ،عند اصدامه بالحائط
أراها مترددة في الانسحاب من القاعة لأمر يدور في وجهها الطفولي، ولكن موجة حبها تعلو كل الحواجز،
زميلتي بعينيها اودعت حرفا في أعلى سقف اللوحة ،قلعت من مكاني مهرولا الى ساحة العشاق
وكأن نجمة من السماء سقطت وجعلت عاصفة في الكلية ،بسقوط الشاب من فوق الدرج
وأصوات غضبي على خدودها الذي أفقدها صوتها،
أماه هذه يدي التي عصتك وماحفظت عهدك ومزقت وصيتك أمام أنفاس لمياء ،
نزعت كل ملابس القرية من أجل رضاك ،نزلت من صرحي العالي الذي بناه أبي لأرعاك،
ضربت قلب بنتا في القرية كانت تنتظر قدومي وتذكرني بلعبها وتضحيتها برجل غني ..
ابوشيماء كركوك.
تعليقات
إرسال تعليق