قصة الحيار // بقلم المهندسة مهى سروجي

 قصة الحيار

***********

صديقتان التقتا على عتبة الجامعة في أول سنة دراسية لهما في كلية الطب البشري الأولى من حلب و الثانية من دير الزور تنشأ بينهما صداقة و ذات يوم تسأل الحلبية صديقتها : ما معنى الحيار سمعت به لكني لم أفهم هذه الكلمة و سمعت أنه يكثر في الأرياف و المدن الشرقية من سوريا و أنا أعلم أنك من منطقة دير الزور

تجيب الصديقة : 

قد وضعت بسؤالك يدك على موضع الألم فتحتِ الباب أمام ذاكرتي و أنا أحاول جاهدة أن أنسى أو أوهم نفسي بالنسيان

تقول الحلبية : لماذا ما الموضوع

تجيب : تقدمت لأمتحان البكالوريا و كنت دائما من الأوائل و لما ظهرت النتائج و قبلت بكلية الطب كان عمي سيجبر والدي ألا يرسلني إلى حلب كي أنتسب لكلية الطب فيها و أن يكتفوا بهذا القدر من تعليمي إلا أن والدي أصر لأنه يتوسم بي الخير و يريد أن يراني طبيبة سأله يومها عمي و ما فائدة دراستها و نحن سنخطبها لابني خفت و انتابني الذعر ابن عمي هذا أقرب إلى المعتوه لكن أمام اصرار والدي سكت العم و قال نصبر و بعد تخرجها نزوجها لابني 

هز والدي رأسه و لم يجب لما غادر عمي البيت سألت أبي : هل ستوافق على زواجي من ابن عمي رد أبي : إلى أن تنتهي دراستك لعل الله يكون معنا فأنا طبعا لا أريده فهو سفيه لا يعي شيئا و لكني أخاف أن يضعني في ركن الحيار يا بنتي

سألته يومها : ماذا تقصد ؟

قال : إذا وقف في وجه زواجك و طلب الحيار امام العائلة يعني لا يحق لك الزواج من غيره و إلا فستبقين بلا زواج 

أجبته : أن أبقى بلا زواج أفضل من زواج كهذا

وقتها ظهر الحزن على وجه أبي و هو الأخ الأصغر و قال لي : اذهبي و تابعي دراستك لعله يحدث أمرا لصالحنا

و أنا الآن في رعب من هذه القصة 

و توالت الأيام و لم تعد الصديقة الحلبية تذكر أمام صديقتها ذلك الموضوع حتى لا تذكر مأساتها و انتهت السنة الأولى ثم توالت السنوات و مع بداية كل سنة تعود المسكينة إلى حلب بعد نضال طويل بين أبيها و عمها و هي الآن بآخر سنة عندما تعرفت على طبيب معيد في الجامعة استلطفها و أحبها و هي أيضا تعلقت به و لكن ماذا ستفعل مع عمها و قبيل امتحان آخر سنة لها صارحت والدها خاف على ابنته كثيرا و خاصة عندما ذاع خبر حبها عندها سارع العم ليطلق ما في جعبته و هدد أخاه أنه سيحيرها لابنه المعتوه و ما كان من الأب إلا أن سافر إلى حلب و تعرف بالشاب الطبيب و عقد قران ابنته عليه إلا أن العم لمجرد وصله الخبر راح يهدد و يتوعد و نفذ تهديده عندما رتب لقتل الطبيب و ذهب الطبيب ضحية عادة سيئة و لم تتمكن السلطات أن تضع يدها على القاتل لأن العم استطاع اثبات عدم مسؤوليته عن الحادث و هكذا امتلأ قلب الصبية بالحزن على زوجها و أجبروها أن تعود إلى بلدها عنوة حتى قبل تخرجها و هي تائهة النظرة صامتة و أبوها لا يمكنه عمل أي شيء و حدد العم موعد الزفاف و بيوم الزفاف و بعد أن البسوها ثوب زفافها و كأنهم يلبسونها ثوب موتها و هي تنطفئ كالشمعة و تذوب و قبيل حفلة الزفاف بقليل همست بإذن أمها التي كانت الدموع تغص في مقلتها حزنا على ابنتها قالت لأمها : 

أريد أن أودع سريري لآخر مرة سأستلقي عليه و أنا بثوب الزفاف قليلا ربما هي آخر لحظاتي هزت الأم برأسها و أخرجت من كان في الغرفة من البنات و تركتها تستلقي على السرير كفراشة كعصفورة بللتها أمطار السماء فتقوقعت على نفسها لم يكن أحد يعلم أن الروح تحن لتوأمها فتصاعدت و غادرت الجسد الحزين و كانت هذه النومة الأخيرة لها لما دخلت الأم و بعيونها دمعة لترى ابنتها قد فارقت الحياة و بيدها صورة زوجها الطبيب و هي تضعها على قلبها كأنها تقول : آتية إليك حبيبي بثوب الزفاف و معي قلبي و صورة محياك البهي

صرخت الأم صرختها ليهرع إليها الجميع و في المقدمة الأب المفجوع و العم الظالم لينسدل الستار عن قصة زهرة أغلقت اوراقها على صورة من تحب 

و لفظت أنفاسها وهي تأبى أن تسلمها لكائن من يكون .

#مهى سروجي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نجواى أنت // بقلم الشاعر رحب كومى

رثاء شاعر الوطن // بقلم أ. سامية البابا

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع