فتاة في الهواء. // بقلم ابوشيماء كركوك

فتاة في الهواء.ابوشيماء كركوك.

   سعيد شارفت سفينته على الثلاثين عاما، وأمواج الاب والأم تحاولان ايقاف السفينة عند مرفأ احدى المحطات الهادئة الجميلة،

  في الحي القريب ،أشواق تحمل طولا جميلا، ووجها طفوليا يقطر خفة دم، نكاتها العفوية تداعب قلوب عائلتها ،وجدران بيتها تحتضن أنغام صوتها، ودوما تقبل ملابس أمها، 

  ام سعيد رأتها في السوق، وجدت فيها المسكن الذي يأوي ابنها الذي تخاف عليه الوقوع في شراك عنكبوت لعوب،

  أشواق خطواتها ك امرأة تحمل شيئا ثقيلا ،وخيالها تنفتح أبوابه الى البعيد ،لكنها سرعان ماتتدافع معه وتعود ل جوهرها وقلبها الأبيض 

    طالت سنين الهجر

    عمر انقضى بشهر

    بنات تزوجن بدر

    وأنتِ تراب ونهر

  عائلة أشواق يملكون خبزا لذيذا وطعاما بسيطا ،لايعرفون طعم اللحوم الا في الاعلانات وأيام توزيع الأضاحي،

  سعيد يدير شركة أبيه التجارية الصغيرة ،التي بناها الأب بعد هفوات وطريق وعرة ،لكنه جعل الشركة تفوح ربحا معقولا، 

  وأم سعيد تحبها الحديقة وروادها الذين ينتظرون جود يديها بأنواع الحبوب الطيبة ،  طيور وعصافير تحط رحالها على أشجار الحديقة ،يعزفون الأغاني التي يرق لها قلب ام سعيد، 

   حطت عائلة سعيد ضيفا على عائلة أشواق ،التي فرشت نظراتها 

لهم فراشا ،وأحاطت كلماتها وابتسامتها الغرفة ،وجعلتها شاشة تلفاز ينظر اليها بشوق كأنه

يعرفها من زمن بعيد..

      زيديني أشواقا

      أول نظرة عشقا

      أتصبب ..عرقا

      كلماتك للقلب نورا

       صوتك علي طوقا

  خطوط الحيرة رسمت على محيا وجه أبيها ،الذي يقلب أمواج البحر لعله يجد جوهرة ينقذ مهر ابنته ،لكن يداه تخرج خالية الوفاض،

  أبو سعيد عيناه تلتقط صور الحاضرين ،قلبه الذي خاض معارك التجارة حلوها ومرها ،علمته مايخفي وجه أبيها ،

   تغص الناس بلقيمات الطعام ولكن أباها يخنقه هواء الغرفة المملوء بالضحكات والهلاهل،  غصة تطوق عنقه تذهب عنه لذة خطوبة ابنته ،لكنه يحاول صبغ وجهه بألوان زاهية ،ولكن فراغات تفتح افاقها المظلمة، 

      ياربي لاتسقط دموعي

       نورك النازل على الجوامع

       نملة في جوف البحر تسمعها

       فرج متك العيون تدمعي

  هاتف أبيها تأتيه البشارة ،وينزل الماء البارد الذي يطفىء موقد النار، 

  احتضن الخمسة ملايين التي ناولها له ابوسعيد ،ارتفعت الغمامة السوداء الني كانت ملقاة على جسده 

  أشواق ترفل بنسائم السعادة التي تأخرت عليها ،وتغص بأفكار سوداوية خوفا من سقوط الأقداح وزجاجه يجرح قلوبا منكسرة، 

  ولكن رؤية النقود بيد أمها جعلت غيوم السماء تداعبها ،والقمر من خلف الغيوم ينير لها الملابس البيضاء، 

   سعيد حفظ خطوط بيتها، حتى أغراض الغرفة، وبدأت يده ترسم على حيطانها لوحات بألوان الربيع تجعل مسكنها جميلا شيئا ف شيئا ،حتى بدى مختلفا وكأن المطر عافسه ،كل هذا وأشواق مازال قلبها ينتظر خوفا قابع خلف الظلام ..

       نظرة يارب ثبات

       على قلبي والانات

        اجمعني من الشتات

        افرحني بعد سبات

        احرمني من الاهات

  بعد أيام انقلب الزورق وغرقت كل الرسوم التي خطتها ،  واختلطت ألوان الحروف في الماء وباتت الاوراق في أفواه الأسماك ،

   ابوها الذي غواه تاجر قماش كبير ،فكانت رياح التراب منه كافية ل تحطيم كرسي الأشواق،

واحترقت كل الوعود التي احتوتها غرفة الضيوف، 

   أشواق قلبها يدق ل خطيبها الأول الذي احتضنها من بعد ليال طويلة، ولكن صوتها لا يقوى على هدير صوت أبيها..وتمتمت في داخلها..

  سأضع أنفاسك في صور الذكريات ،كلما يصيبني شيئا أنظر الى ابتسامتك، وكلما أوجعني قلبي أضعه على مكان وضعت يدك عليه ،

   أشواق ترتب الاوراق على وضعها الجديد مع الوجه الجديد الذي يفتعل الطيبة على محياه سرعان ماتختفي بعد اتصالاته المتكررة ،

  أشواق ك طائرة ورقية بيد طفل مراهق ،يسحبها يمنة ويسرة ،واحيانا يسقطها على التراب أو الطين ،هكذا فعل ابوها ووضع الطين بيدها بدلا الحناء.

  وفي أول خروج مع أهل خطيبها الجديد تزينت بالذهب و الحرير ،ولكن وجعا أصابها في بطنها قذفت دما أسودا على ملابس التاجر ، 

  سمعت همسا جهوريا من أمه ، دعها فقيرة ومريضة لاتليق بك

    بعتني من أول لقاء

   أمر الله ماشاء

   اصبح الفرح ناء

    ذهب عني الضياء

     نبض القلب استاء

ابوشيماء كركوك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نجواى أنت // بقلم الشاعر رحب كومى

رثاء شاعر الوطن // بقلم أ. سامية البابا

بعض أسماء وصفات النساء عند العرب // بقلم محمد جعيجع